هاتفني صديق لبناني كان يعمل بالصحافة.. سألته عن أحواله وأحوال لبنان، بادلني الترحيب وطمأنني قائلاً: فيما يتعلق بأحوالي فهي بائسة، وفيما يتعلق بلبنان فهو أكثر بؤساً. ضحكت قائلاً: يا صديقي تحلَّ بالصبر والأمل، ضحك هو على الطرف الآخر قائلاً: لقد هرمنا من الصبر الذي صار في بلادنا أسلوب حياة. دفعني فضولي الصحفي لأسأله عن أمل قريب في إنهاء الشغور الرئاسي؟ وهل يمكن للبنان أن يخرج من بعض أزماته الاقتصادية؟ أجابني بنبرة يأس جديدة غير التي لاحظتها في بداية حديثي معه قائلاً: لست متفائلاً بحدوث انفراجة في القريب العاجل، فقد اعتاد لبنان على الشغور الرئاسي، كما اعتاد على الإقامة داخل الأزمات، فلبنان ظل ساحة للتجاذبات السياسية والأمنية في المنطقة، فالسباق على لبنان من الداخل ومن الخارج، ولا أخفي عليك أن نجاة لبنان لا تتوقف فقط عند حسم منصب الرئيس، فكل مرة يأتي الرئيس، ويذهب ويدخل لبنان دائرة جديدة من التأزيم، فالقضية ليست في هذه المرحلة فقط، بل هي أبعد من ذلك، القضية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام الطائفي الذي تأسس عليه نظام الحكم في لبنان، فنحن نحتاج إلى الديمقراطية التنافسية، أو ديمقراطية الأغلبية وليست ديمقراطية التوافقية، فالتوافق بات هو الحاكم الفعلي لأي قرارات مصيرية للبنان، وبالتالي فإن لبنان يظل رهينة لأطماع طرف أو آخر، مثلما يشهد الآن التعقيدات والمزايدات بين الكتل السياسية والبرلمانية في تحديد شخصية الرئيس، فمن غير المعقول أن ينتهي فشل البرلمان باعتصام للنواب أنفسهم، المفترض فيهم أنهم النخبة السياسية والممثلون للشعب اللبناني.

قاطعته متسائلاً: هل تتوقع إطالة أمد الأزمة اللبنانية؟

أجابني: هذا وارد بقوة، فالأزمة مرشحة للتفاقم، لا سيما أن التجارب السابقة تقول ذلك، فعلى سبيل المثال، لو تذكرت معي انتخاب الرئيس السابق ميشيل عون، استغرق نحو عامين كاملين، وبالتالي فإن الذاكرة اللبنانية اعتادت هذا النوع من التباطؤ في انتخاب رئيس الجمهورية، أو رئيس الوزراء، أيضاً ما يزيد من إطالة الأزمة، هو عدم وجود مساحات مشتركة وقواسم إيجابية بين المكونات السياسية اللبنانية، فرغم مرور ما يقرب من نحو 4 أشهر على الشغور الرئاسي، نجد القوة السياسية تقف على طرفي نقيض، بل إن بعضها يحرص على مزيد من التشدد، من أجل تحقيق أكبر قدر من المصالح الفردية والضيقة، كما أن هناك نقطة جوهرية لا بد أن تتوقف أمامها تتعلق، بأن التجاذبات والصراعات الإقليمية والدولية تنعكس سلباً على أي مجهودات للتقارب بين القوى السياسية اللبنانية، بل من شأنها توسيع الفجوة، وتآكل مساحات التوافق والتقارب، فالمواقف الداخلية باتت مرتبطة بمدى توافق المصالح الإقليمية والدولية، هذا فضلاً عن أن الملفات الداخلية القديمة أصبحت تنفجر من جديد، بفعل عناصر وجهات لا تريد استقرار لبنان، فلو تحدثنا مثلاً عن ملف القضاء وانفجار مرفأ بيروت، وتابعنا الصراع الدائر بين الجهات القضائية من جانب، وبين من يسعى إلى إشعال الفتنة من جانب آخر، نجد أننا أمام دائرة مفرغة، وحسابات صفرية، قادت لبنان إلى مراحل متقدمة من الانهيار الاقتصادي، واختفاء الخدمات، وتراجع الحماسة الدولية لمساعدة لبنان.

توقف محدثي عن مواصلة رؤيته للوضع في لبنان، مؤكداً أنه يشعر بالألم الشديد كلما استغرق في الحديث عن المآسي اللبنانية. انتهى حديثي مع الصديق اللبناني، وضعت هاتفي على طاولتي، وسألت نفسي: كيف لبلد مثل لبنان كان يوصف بسويسرا الشرق، وأنجب ألمع الكتاب والصحفيين والفنانين والمبدعين في العالم العربي، أن يصل إلى هذه الأزمات؟ صمت قليلاً ثم راودني التفاؤل بأن لبنان عائد، وقادر على صياغة معادلة جديدة، لكن فقط يحتاج إلى إرادة حقيقية تنقله من حالة الجمود السياسي، إلى لبنان الذي عرفناه فاعلاً ومتفاعلاً، ورقماً مهماً في محيطه العربي والإقليمي.

 

 

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي