البحث العلمي في «زاوية جادة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثارت قناة «سما دبي» في برنامجها «زاوية جادة»، أخيراً، مع اثنين من مسؤولي المراكز البحثية في الدولة، موضوعاً قديماً، لكنه يُجدد نفسه في كل مرة، ليس في دولة الإمارات فقط أو الدول العربية، وإنما في العالم كله، وهو أهمية البحث العلمي بكل أنواعه في خدمة التنمية. وبالأمانة هي قضية لا تحتاج إلى مناسبة لإثارتها أو للحديث عنها، لأنها قضية حية وحيوية، وإن خفتت لبعض الوقت أو لم تُثر في المجتمع، إلا أنها تبقى مستمرة للنقاش.

انتشار مراكز البحث وجودة دراساتها هي المؤشرات التي يقاس بها تطور الدول وتقدمها؛ نظراً إلى سببين اثنين على الأقل؛ أولهما أنها تسهم في دعم المستشارين أثناء وضع الخطط والبرامج التنفيذية لتسهيل عملية اتخاذ القرار، أما السبب الثاني فهو أن مراكز البحث العلمي هي المنوط بها عملية تقييم التجارب التنموية في المجتمعات وتقديم المشورة لتعديل المسار، كل حسب اختصاصه.

ولو تتبعنا التحولات التنموية للدول فسنجد أن اهتمامها بالمراكز البحثية كان سبباً في تقدمها، وتعتبر كوريا الجنوبية من الأمثلة المميزة ومضرب المثل، حيث اهتمت بالبحث العلمي في تحقيق ثورة تنموية، فكوريا من حيث المؤشرات هي الأعلى إنفاقاً على البحث العلمي في العالم بنسبة 4.5 % من إجمالي دخلها الوطني، بل إن تجربتها البحثية تعتبر رائدة، فكل المراكز البحثية البالغ عددها تقريباً 30 مركزاً تُدار من قبل هيئة أكاديمية واحدة، هي مركز العلوم الأساسية، منعاً لازدواجية العمل أو تداخل المهام.

إذا تتبعت الدول التي تسجل مؤشرات تنموية كبيرة، ومنها دولة الإمارات، فستجد أنها تخصص جزءاً من دخلها للبحث العلمي، وتضع نسبة مئوية تقدر ما بين 2 - 3 % سنوياً (الولايات المتحدة 2.5 %، والصين 2.0 %) ليس من أجل المردود المالي، ولكن لتأهيل وصقل مهارات مواطنيها، فهم الاستثمار الحقيقي للدول، والنجاح في الابتكار والتطور الفكري الذي سيعملون عليه، البحوث والأفكار هي التي ستجني الأموال.

ومثلما يعتقد البعض أن البحث العلمي التطبيقي هو الأهم، وبالتالي ينبغي التركيز عليه من منطلق أن مخرجاته تصب مباشرة في التنمية المجتمعية كما هي التجربة الكورية الجنوبية، التي ربطت أدوار المراكز بالتجربة الصناعية والاقتصادية لها، فإن البحوث العلمية النظرية علينا أن نعرف أنها هي التي تضع النظريات العلمية التي تقود الباحث للوصول إلى كيفية تطبيق نتائج البحوث واختبار دقتها، فكلا النوعين من البحوث مهم.

هذه الأيام، يتصاعد الحديث العالمي عن النقلة الصينية الكبيرة في كل المجالات التنموية من دون استثناء، حتى بات نهوض هذه الدولة عامل قلق للآخرين، لكن إذا عرفنا أن الصين تفوقت هذه السنة على الولايات المتحدة في مجال البحث العلمي فسندرك أهمية التركيز على المراكز البحثية في نهوض الأمم. والصين لم تتفوق على أمريكا في عدد البحوث وغزارتها فقط، وإنما في جودتها العلمية، بحسب متابعة الاقتباسات التي تم أخذها من الأوراق البحثية، فحازت الأبحاث الصينية الأكثرية مقارنة بالأبحاث الصادرة من الولايات المتحدة.

السبب في هذا التفوق الصيني، كما أعتقد، أنها كانت أكثر دولة في العالم ترسل شبابها للدراسة في الجامعات الأمريكية والبريطانية، بل كانت الجامعات الغربية في فترة معينة تكتظ بالطلاب الصينيين في تخصصات مختلفة، وعليه ينبغي ألا نستغرب بقدر ما علينا التفكير في أهمية البحث العلمي الرصين.

ما تم طرحه في برنامج «زاوية جادة» خلال الأيام الماضية حول أهمية البحث العلمي بنوعيه التطبيقي والنظري، يؤكد أن القيادة الرشيدة في دولة الإمارات تؤمن بأنه لا يمكن بناء دولة تنافس العالم المتقدم من دون الاستثمار في البحث العلمي، وأنه لا يمكن أن تتحدث عن حصانة أفراد المجتمع، الذي يعد حائط الصد الأول لاستقرار المجتمعات، والذي هو أرضية كل قصص النجاح، من دون توعيته بالمخاطر والتحديات التي يمكن أن يستغلها أصحاب الأجندات والنوايا السيئة.

المراكز البحثية هي البوصلة التي تقود المجتمعات نحو الهدف الذي تسعى الدول إلى تحقيقه، ولكن قبل ذلك، فإن الاستثمار في قدرات ومهارات الشباب بالفكر والمهارات هو الأساس المتين للعمل الحقيقي.

 

Email