للتاريخ كلمة وموقف، الكلمة تمت كتابتها بحروف من نور، عندما وقع حكام الإمارات اتفاقية لتوحيدها وإنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة.

وبالتالي تحويل إمارات متجاورة ومنفصلة إلى دولةٍ واحدة متحدة، أما الموقف فقد جسده لنا بقوة ووطنية الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان - طيب الله ثراه - عندما قال: «إن الاتحاد يعيش في نفسي وفي قلبي، وأعز ما في وجودي، ولا يمكن أن أتصور في يوم من الأيام أن أسمح بالتفريط فيه أو التهاون نحو مستقبله».

تصفح التاريخ أوراقه، توقف عند موعد الثاني من ديسمبر، ذكرى ليست كسائر الذكريات، إنما هو تاريخ عزيز على قلوبنا نحن العرب، ولحظة فاصلة وفارقة في رسم خرائط الجغرافيا. بل إن هذا التاريخ صورة نادرة في برواز المستقبل، يلتف حولها الوطنيون أبناء الاتحاد كلما حضر الموعد.

تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة، هذه الأيام بعيد اتحادها الـ51، الذكرى ناصعة تدعو للفخر، وتستوجب التذكير بها، ففي الـ 2 من ديسمبر من عام 1971، اجتمع حكام الإمارات السبع في قصر الضيافة في دبي، وقاموا بتوقيع الدستور المؤقت لاتحاد الإمارات العربية.

هنا تتحدث الإرادة، التي انتصرت على المحن، وباتت أكثر صلابة وقوة ورسوخاً. حكيم العرب أخذ على عاتقه بناء الدولة بالجسارة والصبر، دعم وشجع أبناء الإمارات طوال الوقت، حضهم على العمل لبناء دولة جديدة، زرع بداخل شعبه روح التعاون والتسامح ولم الشمل.

وفي الوقت ذاته، أقام روافد وجسور التواصل والانفتاح على الأمة العربية، فلسفته كانت تسابق الزمن، وحكمته وثيقة مسجلة في قاموس العروبة، ونجح في الانتقال من الأحوال المتواضعة إلى صروح الإنجازات، والانفتاح على محيطه وجيرانه وأشقائه، واجه الصعاب من أجل مشروع وفكرة وفلسفة بناء الدولة وإقامة الاتحاد، بخطى مدروسة، حقق نجاحات في الداخل وفي الخارج.

لعب حكيم العرب دوراً كبيراً في التقارب بين الدول العربية، وأولى تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج أهمية خاصة، فالقواسم المشتركة عديدة ومتنوعة، وفي قمتها الأولى بأبوظبي، وقع قادة 6 دول خليجية، وثيقة تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج، لا يمكن الحديث عن مسيرة هذا القائد دون التأكيد على مواقفه المشرفة الناصعة مع مصر وسوريا، فلا يمكن أن ننسى مقولته إبان حرب السادس من أكتوبر عام 1973، عندما قال:

«النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي»، وهذه المقولة باتت محفورة في قلب كل مصري وعربي، نعم نحن أمام قصة دولة وحكاية رجل، دولة استندت في مشوارها إلى إرادة قائد وضع أسس واستراتيجية البناء.

فالتف حوله أبناء الإمارات، يمسكون بخيوط الأمل في مستقبل مزدهر، تجني ثماره الآن الأجيال المتعاقبة. الكاريزما المتفردة التي اتسم بها حكيم العرب، ساعدته في العبور سريعاً إلى مساحات إنسانية أكثر رحابة، ولكل هذا نجح الاتحاد في الانتقال من مرحلة التحدي إلى مرحلة الانتصار، فبفعل سواعد مؤسسها الذي قامت فلسفته في بناء الدولة على مفاهيم وطنية وواقعية، قوامها أن الدفاع عن الاتحاد فرض مقدس.

الآن ونحن نحتفل بعيد الاتحاد الـ51، علينا التوقف أمام تجربتين ناجحتين، الأولى تجربة ملهمة في بناء الدولة، والثانية تجربة تتعلق بالقدرة على الإصرار والإرادة والصمود الذي اتسم بها الأب المؤسس، ليتأكد لنا أن الاتحاد جاء في التوقيت الصحيح.

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي