قمة العشرين والتحديات العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

جزيرة بالي الإندونيسية، لم تتخل عن أناقتها وسحرها وجمالها، في الدعوة للتفاؤل تحت شعار «التعافي معاً.. التعافي بشكل قوي»، التحديات صعبة، جدول أعمال القمة، عكس الصعوبات والأزمات التي يعيشها العالم. بدأت وانتهت قمة العشرين.

شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة في هذه القمة.. قالت كلمتها بوضوح، يؤكد التزامها بالعمل مع شركائها الدوليين لتحفيز النمو الاقتصادي، وتحقيق التنمية العادلة في جميع أنحاء العالم.

أرض الآلهة تتحدث في هذه القمة باسم «هموم العالم»، بالي قالت كلمتها.. رسائلها واضحة، ونتائجها في حدود المتاح.

لم تكن سماء العالم صافية في قمة العشرين من هذا العام، تعقيدات وأزمات وصراعات وحروب، وقوى إقليمية ودولية، تتشكل بحسابات خاصة، استعداداً لنظام عالمي جديد.

خلال 48 ساعة، عقدت خلالها قمة العشرين (15 إلى 16 نوفمبر الجاري)، كانت العيون تتحدث بين ضيوف فندق كيمبنسكي، حيث إقامة الجلسات والنقاشات، لم يستوقفني برغم أهميته الشديدة، الشكل الجمالي الكرنفالي، الذي تزينت به منطقة «نوسادوا» وإنما استوقفني أن القمة - التي انطلقت بمشاركة 19 دولة.

بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي - لم تقتصر فقط على أهدافها التي تناولها جدول الأعمال، لكنها حرصت على تحقيق اختراق، يحمل عدة رسائل في توقيت مهم، لقضيتين فاصلتين، في رسم ملامح وشكل النظام العالمي الجديد.

الرسالة الأولى تتعلق بأول لقاء وجهاً لوجه، بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبين الرئيس الصيني شي جين بينغ، ثلاث ساعات ونصف الساعة، من اللقاء بينهما، كانت كفيلة برسم الابتسامة على وجوه الرئيسين أمام عدسات العالم.

تبريد الصراعات بين واشنطن وبكين، خطوة مهمة في سياق عالمي، لا يحتمل مكر التاريخ، أو مفاجآت الجغرافيا، ذكاء بايدن وشي، أطفأ نيران الغضب، وأبطل مفعول الصراع الذي كان محققاً، وأعاد تنظيم النبض في قلب تايوان، بايدن قال في هذا اللقاء: لا حاجة إلى حرب باردة، وإن بكين وواشنطـن تتشاركان المسؤولية، للإظهار للعالم أنهما قادرتان على إدارة خلافاتهما، ومنع المنافسة من التحول إلى نزاع.

أما شي، فقد أكد أن العالم كبير بما يكفي، لازدهار كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وألا نية لبلاده لتحدي الولايات المتحدة، أو تغيير النظام الدولي القائم، مطالباً الطرفين بأن يحترم كل منهما الآخر، نجح بايدن وشي في كتابة روشتة الأدوية المهدئة للآلام، التي تهدد جسدي واشنطن وبكين.

أما الرسالة الثانية لقمة العشرين، فقد تمحورت منذ اللحظة الأولى، حول أهمية وضرورة إيقاف الحرب الروسية - الأوكرانية، لا سيما أن الأحاديث التي دارت بين جميع المشاركين، أكدت أن المعاناة الاقتصادية، والإنسانية ستظل مستمرة، بل تتفاقم من دون الوصول إلى نقطة إيقاف الحرب، وبشكل عاجل وسريع.

برغم غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن الحضور، فإن تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية، كانت حاضرة وبقوة، فقد جاءت رسالة الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، مباشرة أمام القادة والزعماء، بعدم إدخال العالم في دهاليز الحروب، وشدد على ضرورة الاستعداد لمواجهة أي جائحة مستقبلية.

الأجواء عبر نقاشات وجلسات القمة، لم تضع مؤشراً تفاؤلياً لعام 2023، بل تركت إشارات تدعو إلى سرعة التحرك القوي، لإنقاذ البشرية من أزمات الأمن الغذائي وأمن الطاقة، لا سيما في الدول النامية.

الأوضاع واقعياً خطيرة، مجموعة العشرين باتت وحدة الطوارئ لمستشفى العالم، هذا المنتدى الاقتصادي المالي، يضم مجموعة، يمثل إنتاجها 80 % من إجمالي الإنتاج العالمي، وحصتها 75 % من حجم التجارة العالمية، وتمثل ثلثي سكان الكرة الأرضية، إذن ثقل المجموعــة، يؤكــد أهميــة التوقف جلياً أمام المخرجات والنتائج التي توصلت إليها القمة والعمل على تفعيلها، للحفاظ على استقرار خرائط العالم، اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً.

الرسالة الثالثة، لهذه القمة، هي الملفات والقضايا الجوهرية، التي تتبناها المجموعة، وتمثلت في تعزيز بنية الصحة العالمية، من خلال تأهيل العالم للاستجابة بشكل أسرع، والتفاعل مع أي طارئ صحي، وترسيخ مفهوم التحول الرقمي.

كأحد المخارج الآمنة لاستمرار الحركة الاقتصادية، خصوصاً أن المجتمع الدولي تعرض لأزمات، مثل جائحة كورونا، التي أصابت قلب اقتصاد العالم، والسعي الدائم إلى تحقيق نمو دائم ومستمر ومتوازن، هذا فضلاً عن تركيز القمة على فتح نقاشات واسعة حول قضية المتغيرات المناخية، والسعي للحد من ارتفاع درجات الحرارة عالمياً إلى 1.5 درجة مئوية، فضلاً عن الالتزام بالقوانين الدولية والنظم الثنائية التي تحمي الأمن والاستقرار.. وإن استخدام السلاح النووي أو التلويح بذلك غير مقبول.

أخيراً، أرى أن حجم النقاش وأهمية الموضوعات، والقضايا التي اقتحمتها قمة العشرين، إنما هي بمثابة جرس إنذار، لإيقاظ العالم قبل أن تلتهم النيران أطراف استقراره.

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

Email