المكاسب العربية في نصر أكتوبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أحيان كثيرة يمتطي التاريخ صهوة المستقبل، يطل علينا كفارس، يؤكد لنا أنه كان على صواب، وثاقب الرؤية في تسجيل أحداث تاريخية وفاصلة في مسيرة أمتنا العربية.

في الذكرى التاسعة والأربعين لنصر السادس من أكتوبر، عام 1973، ارتديت عدسة مكبرة لإعادة قراءة هذه الحرب ومكاسبها، ليس فقط على مصر، بل على خريطة العالم العربي بأكمله، وجدت أن قرار حرب أكتوبر كان يمتاز بتقدير موقف استند إلى الحكمة والرصانة والمصلحة العربية العليا، وبقدر جدية وقوة القرار، بقدر ما جاءت نتائجه.

فإعادة القراءة والنظر بعمق لنتائج حرب أكتوبر، تقودنا إلى أن هذه الحرب نجحت في تحجيم تمدد الدولة الإسرائيلية، إذ إن عبور القوات المسلحة المصرية إلى الضفة الشرقية والسيطرة على أراض بعمق 15 كيلومتراً من شبه جزيرة سيناء، ثم استرداد كل أراضي سيناء، وصولاً إلى التحكيم الدولي حول طابا عام 1988، كل هذا صاغ مفهوماً جديداً لنتائج وأهداف حرب أكتوبر.

فإذا كانت الدولة المصرية قد حققت مكسباً تاريخياً في استعادة كل الأراضي المصرية من قبضة الاحتلال الإسرائيلي، فإن مظلة هذا النصر امتدت لتشمل كل الخرائط العربية التي اقتربت منها نيران الاحتلال، الواقع والتاريخ يؤكدان ذلك، إسرائيل تفقد تدريجياً كل ما احتلته خلال حرب 1967، فليس خافياً على أحد أن الشعب الفلسطيني، نجح في استرداد جزء من أراضيه باتفاقيات أوسلو في 4 مايو 1994، التي بدأت بعودة غزة - أريحا أولاً، وبناء عليها تم تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

ولم تمضِ عدة شهور قليلة وسرعان ما استطاعت المملكة الأردنية الهاشمية استرداد كل أراضيها من خلال اتفاق وادي عربة في 26 أكتوبر عام 1994، كما تتجسد أيضاً مكاسب نصر أكتوبر في اضطرار إسرائيل للانسحاب من قطاع غزة عام 2005، وكذلك لم يختلف الأمر في جنوب لبنان، إذ شهدنا نفس الانسحاب الإسرائيلي منها عام 2006.

إذن نحن أمام بانوراما تاريخية، تسجل لنا بحروف من نور جسارة وقوة قرار الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ذلك القرار الذي أحدث تغييراً استراتيجياً ومعنوياً لدى الشعوب العربية وقادتها، وأنها كانت نقطة مركزية وفارقة في التئام جروح الجسد العربي، وتبديد الحلم الإسرائيلي بالسيطرة على الأراضي العربية.

نعم حدثت حرب أكتوبر، وتحقق نصر العرب بسواعد قادة وزعماء تاريخيين، قدموا كل أنواع وأشكال الدعم لهذه الحرب، فلا يمكن أن ننسى الدور التاريخي القوي للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي قال:

«النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي»، حيث كان حكيم العرب من أول الزعماء الذين طالبوا بضرورة الوقوف بجانب مصر في معركتها المصيرية، لاستعادة الأراضي المحتلة، فلا ننسى أن فلسفة وموقف مؤسس دولة الإمارات، كانت تنطلق من أن هذه المعركة لم تكن حرباً مصرية فقط، بل إنها معركة للوجود العربي.

هكذا سجل التاريخ دور دولة الإمارات العربية المتحدة مع أدوار ناصعة للأشقاء العرب جميعاً، في مساندة ودعم الجهد المصري، في إدارة هذه المعركة من أجل استعادة كل الأراضي العربية المحتلة.

الآن أجدني أقرأ بعمق مكاسب نصر أكتوبر على المستوى العربي، وأتساءل، ألم تكن هذه الحرب درساً قوياً يؤشر لنا على كيفية وضرورة وأهمية العمل العربي المشترك، وتضافر الجهود، وتماسك الشعوب، وتوحيد الرؤى العربية لمواجهة التحديات؟ ألم يكن كافياً الإشارة إلى أن الوحدة العربية حققت نصراً استثنائياً يتم تدريسه حتى الآن في أرفع الأكاديميات العسكرية والاستراتيجية في مختلف دول العالم؟!

كل هذه الشواهد والثمار والنتائج والأسئلة حول حرب أكتوبر، تؤكد أننا في حاجة ماسة لاستلهام هذه الروح، من أجل مجابهة كل التحديات التي باتت تمثل خطورة على استقرار أمتنا العربية.

* رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي»

Email