حماية المتعاقد في عقود الإذعان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأصل أن الإرادة مصدر كل العقود وأساسها القانوني والقاعدة في القانون المدني أن العقد شريعة المتعاقدين، أي أن إرادة طرفي العقد ليس عليها سلطان إلا القيود التي تتعلق بالنظام والآداب العامة، ونصوص القوانين المدنية إما مفسرة أو مكملة لإرادة المتعاقدين، إلا أن الأمر مختلف في دائرة عقود الإذعان فهو عقد يسلم القابل بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها ويتعلق ذلك بسلعة أو مرفق ضروري محل احتكار قانوني أو فعلي أو موضع منافسة محدودة النطاق.

ويفسر الشك دائماً لمصلحة الطرف المذعن، فكل عقد ينعقد بإرادة وقصد عاقديه يجب أن ينفذ بحسن النية، فالقاعدة العامة في تفسير العقود: إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تأويلها للتعرف على إرادة المتعاقدين. أما إذا كان محلاً لتأويل العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقاً للعرف الجاري في المعاملات.

ولقد أفرز التطور الاقتصادي والتكنولوجي ظهور أنواع من العقود لسلع وخدمات تسيطر عليها الحكومات أو تمنحها لمؤسسة ما دون غيرها، فلا توجد الخدمة أو السلعة إلا في تلك المؤسسة التي تفرض الشروط والأسعار التي تراها، ويجد القابل نفسه مضطراً للانضمام لتلك العقود ولا يستطيع التغيير أو المناقشة في الشروط أو الثمن.

والقول بحرية الأفراد والمؤسسات في تحديد شروط التعاقد وفقاً لمبدأ سلطان الإرادة، قد يؤدي إلى نوع من تعسف الطرف القوي في العلاقة التعاقدية وظلمه للطرف الضعيف، لذلك تدخل المشرع الإماراتي لحماية الطرف الضعيف وتحقيق التوازن بين المتعاقدين عند حدوث الخلل، كما هو الشأن في عقد الإذعان فالقابل إما أن يسلم بشروط العقد ويقبل بها أو لا يتعاقد ولما كان القابل في حاجة إلى التعاقد على شيء لا غنى عنه فهو مضطر إلى القبول، فرضاؤه موجود ولكنه مفروض عليه، وعليه منح المشرع القاضي سلطة تعديل الشروط التعسفية التي قد يشملها العقد أو إعفاء الطرف المذعن منها.

ونصت المادة «248» من قانون المعاملات المدنية أنه إذا تم العقد بطريق الإذعان وكان قد تضمن شروطاً تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها وفقاً لما تقضي به العدالة ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك.

حرص المشرع على معالجة عقد الإذعان بحكم خاص يعتبر استثناء من الأصل القانوني بأن العقد شريعة المتعاقدين، وما تقتضيه القاعدة من عدم تدخل القاضي في تعديل موضوع العقد أو إلغائه وذلك احتراماً لإرادة المتعاقدين، إذ بموجب الحكم الذي تضمنه النص الخاص بعقد الإذعان قد خول القاضي سلطة تعديل الشروط التعسفية أو إعفاء الطرف المذعن منها.

ولإعمال سلطة القاضي في تعديل الشروط التعسفية بعقد الإذعان شرطان أولهما: أن يكون العقد محل التعديل عقداً صحيحاً من حيث أركانه ولا سيما عنصر التراضي من إيجاب وقبول وأن يكون هذا التراضي خالياً من أي عيب من عيوب الإرادة لأنه لو كان غير ذلك فالقاضي لا يعدل شروط العقد وإنما يبطله. وثانيهما أن تتوافر في العقد محل النظر عناصر عقد الإذعان «أي يتضمن العقد شروطاً تعسفية» فإذا ما توافرت تلك العناصر في العقد محل الدعوى المطروحة على القاضي اعتبر العقد عقد إذعان ومن ثم ينتقل القاضي إلى البحث في موضوع الدعوى والمتمثل في البحث في مدى تعسفية الشروط التي يتضمنها العقد وبالتالي إعمال سلطته التقديرية في تعديل الشرط التعسفي أو الإعفاء منه، وأما إذا اتضح أن العقد المطروح هو عقد عادي لا تتوافر فيه خصائص الإذعان ففي هذه الحالة يلتزم القاضي بالقواعد العامة التي تحكم العقد.

ويمكن القول إن تعديل الشرط التعسفي يعني الإبقاء عليه مع رفع أوجه التعسف التي يتضمنها بالوسيلة التي يراها ملائمة، وتتعدد هذه الأوجه بحسب ما يضمنه الطرف المُذعِن من بنود وشروط تعسفية في العقد، وسلطة القاضي في تعديل الشرط يتم إعمالها حتى ولو كان هذا الأخير واضحاً حيث إن وضوح عبارات الشرط ليس بيت القصيد بل الأمر يتعلق بما شابه من تعسف إذ إن وضوح الشرط ودقته لا يشكلان عائقاً أمام تعديله، لأن الطرف المُذعَن لم يكن في إمكانه تفادي الشرط التعسفي رغم وضوحه، فالغموض لا يعتبر شرطاً لتدخل القاضي.

وعليه فقاضي الموضوع يتمتع بصلاحية تعديل الشرط التعسفي أو إلغائه وفقاً لما تقتضيه العدالة، وإن ممارسته تلك الصلاحية هي أمر جوازي له، فله أن يمارسه أو لا يمارسه حتى ولو توافرت شروط ممارستها ولا يخضع في ذلك لرقابة محكمة التمييز.

Email