حضانة الأبناء بعد الطلاق

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر الأبوان الحاضن والمؤثر الأول في تقويم سلوك الطفل، وما يغرس فيه بتلك المرحلة الأولى في حياته يرسم الملامح الأساسية لشخصيته المستقبلية، ولتماسك الأسرة أثر فعال في سلوك الأبناء، غير أن التفاهم والمودة اللذين هما عماد الرابطة الزوجية ليسا بالأمر الهين، فقد تعصف مشاكل الحياة ببناء الأسرة وتؤدي إلى التنافر، ومن ثم إلى الطلاق في بعض الأحيان، ومن أبرز ما يترتب على الطلاق مسألة حضانة الأولاد.

الابن في طفولته بحاجة ماسة إلى من يعتني به ويتولى أمره حفظاً وتربية، وبكل ما يلزمه في حياته ومعاشه ورعاية مصالحه، والأبوان هما أقرب الناس إليه وأكثرهم شفقة عليه وأحسنهم رعاية لمصالحه، فهما مسؤولان عنه أمام الله تعالى، ثم أمام المجتمع.

وقد جعل المشرع أمر الحضانة في مرحلة الطفولة الأولى من شؤون النساء، لأن الطفل في ذلك الدور من حياته يحتاج إلى رعايتهن، وهن أرفق وأهدى إلى حسن رعايته، حتى إذا بلغ سناً يستغني فيه عن الاستعانة بهن جعل الإشراف عليه للرجال، إذ إنهم بعد اجتياز تلك المرحلة من الطفولة أقدر على حمايته وصيانته وإقامة مصالحه من النساء.

ولما كانت الحضانة من الأمور الجوهرية في تنشئة الطفل وإعداده للحياة المستقبلية فإنه لا بد أن تتوافر شروط معينة في الحاضن كي يتحقق المقصود منها، وهو تربيته على الوجه الأكمل قدر الإمكان للقيام بشؤونه، وقد نصت المادة 143 من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي على الشروط الواجب توافرها في الحاضن مطلقاً، رجلاً كان أو امرأة، وهي العقل والبلوغ رشداً، والأمانة والقدرة على تربية المحضون وصيانته ورعايته والسلامة من الأمراض المعدية الخطيرة، وألا يكون قد سبق عليه الحكم بجريمة من الجرائم الواقعة على العرض، كما اشترط المشرع زيادة على الشروط السابقة إن كانت الحاضنة امرأة أن تكون خالية من زوج أجنبي عن المحضون، إلا إذا قدرت المحكمة خلاف ذلك لمصلحة المحضون، وأن تتحد مع المحضون في الدين، أما إذا كان الحاضن رجلاً فاشترط المشرع أن يكون عنده من يصلح للحضانة من النساء، وأن يكون ذا رحم محرم للمحضون إن كان أنثى، وأن يتحد مع المحضون في الدين.

ولقد رتب المشرع الأولوية لمستحقي الحضانة بأن قررها للأم ثم الأب ثم للمحارم من النساء، مقدماً فيه من يدلي بالأم على من يدلي بالأب، ومعتبراً فيه الأقرب من الجهتين، وبحسب نص المادة (156) من قانون الأحوال الشخصية، تنتهي صلاحية حضانة النساء ببلوغ الذكر إحدى عشرة سنة، والأنثى ثلاث عشرة سنة ما لم ترَ المحكمة مد هذه السن لمصلحة المحضون، وذلك إلى أن يبلغ الذكر أو تتزوج الأنثى، وتستمر حضانة النساء إذا كان المحضون معتوهاً أو مريضاً مقعداً، ما لم تقتضِ مصلحة المحضون خلاف ذلك، وفي ذلك الشأن تعددت آراء مذاهب الفقه الإسلامي وتشعبت تفاصيلها، فمذهب الإمام مالك يرى أن حضانة الذكر إلى البلوغ، وأن حضانة الأنثى بدخول زوجها بها، ومذهب الشافعية يرى أن حضانة الطفل تنتهي بالتمييز ثم يخير، ومذهب الحنفية يرى أن الأم أو غيرها أحق بالابن إلى أن يستغني عن خدمة النساء، وقدرها بسبع أو تسع سنوات، أما البنت فالأم والجدة أحق بها حتى تبلغ، وذهب الحنابلة إلى أن قبل السابعة الأم أحق بالولد ذكراً أو أنثى بلا تمييز، وبعد السابعة هناك الكثير من الآراء.

وإن كان من مصلحة الطفل عدم اعتماد رأيه في سن التمييز، وليس من العدل أن نفترض أن الأب هو صاحب القسوة البالغة والبطش المتحكم، وأن الأم دائماً هي مثال الرحمة والكمال، لذلك رأى المشرع أن من السداد أن تكون السن للذكر ببلوغه إحدى عشرة سنة، والأنثى ثلاث عشرة سنة، إلا أنه من خلال الواقع العملي نرى أنه من الأفضل عند بلوغ المحضون (ولداً أو بنتاً) سن الحضانة تخييره ما بين البقاء مع الأم أو اختيار الانتقال للعيش مع الأب، حيث إن المحضون بتلك السن يكون قد وصل لمرحلة تمكنه من التمييز وتقدير الأمور بمقدارها، حيث يتصور منه وزن صحيح لحاضره أو مستقبله.

فكثير من الأحيان يكون الأب مشغولاً وليس لديه الوقت الكافي لتربية الطفل وتنشئته بشكل صحيح، ويكون الولد عملياً بحضانة إحدى النساء التابعات للأب، ولا تكون غاية المشرع قد تحققت بتنشئة الولد تحديداً بمجلس الرجال، فضلاً عن أنه ببعض الحالات يكون طلب الأب للحضانة فقط نكايةً بالأم وإسقاط نفقة الأبناء دون مراعاة لمصلحة المحضون، إلا أن التخيير يجب ألا يكون على إطلاقه، حيث يجب تقييده بشروط، منها أن يكون الحاضن أهلاً للحضانة، وأن يكون التخيير محققاً لمصلحة المحضون، فإذا كان في اختياره ضرر عليه لا يؤخذ بهذا الاختيار، لأن مدار الحضانة على نفع الولد وحمايته عن ما يضره والقيام بمصالحه، ولأن هذه ولاية نظر فلا تثبت بالضرر، ولكن يشترط أن تثبت عدم صلاحية أحد الوالدين في تلك الحالة بالبينة والدليل، لأن الأخذ بهذا القيد والشرط لا يجعل قيمة في التخيير، لأنه يمكن إبطاله وتركه بحجة أن اختياره ليس في مصلحة الولد، والمرجع في ذلك إلى القضاء.

Email