الاستدامة البيئية في الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

قرار المجلس التنفيذي في دبي، بفرض رسم على الأكياس البلاستيكية، اعتباراً من يوليو المقبل، هو قرار يتماشى مع أهداف الدولة في حماية البيئة، حيث تعد الإمارات من أوائل دول الخليج في طرح المبادرات الهادفة إلى تحقيق الاستدامة البيئية، وحماية المناخ، في إطار تشريعي وتنظيمي، يساعد على المحافظة على البيئة ومواردها. كما تعد الإمارات من أوائل الدول العربية، في تعيين وزير متخصص للتغير المناخي والبيئة، والذي لا شك أنه موضوع الساعة، لأنه مرتبط، ليس فقط بتغير المناخ والاحتباس الحراري، ولكن بالأمن الغذائي على كوكبنا.

حماية المناخ، أصبحت مسؤولية دول العالم أجمع، وليست مسؤولية دولة دون أخرى، على الرغم من أن الدول الصناعية تتحمل العبء الأكبر، كونها المستهلك الأكبر للموارد البيئية. ومما يثير الإعجاب، هو ظهور أجيال شابة حول العالم، حملت لواء حماية البيئة، ولفت الانتباه إلى الاحتباس الحراري، وما يمكن أن ينتج عنه من أضرار مستقبلية. ففي السويد مثلاً، لفتت الناشطة الصغيرة، غريتا تونبرغ، أنظار العالم، وهي تنتقل من دولة إلى أخرى، مدافعة عن حق الأجيال الجديدة في مناخ صحي، ومنوهة بخطر الاحتباس الحراري والإساءة للبيئة. والمثير للإعجاب، أن يظهر ذلك الجيل حماساً كبيراً لأهمية المحافظة على البيئة ومواردها، وتأثير ذلك في مستقبله.

وفي الواقع، تعد الاستدامة البيئية هدفاً مهماً لدولة الإمارات، ومن ضمن مبادئ الدولة الخمسين. فقد قامت الإمارات بطرح العديد من المبادرات الهادفة إلى الحفاظ على التنوع البيئي، واستدامة الموارد البيئية، عبر الاستفادة القصوى من الطاقة النظيفة، كالطاقة الشمسية، والمتوفرة طوال العام. فدولة الإمارات، تدرك جيداً أنها تعيش في منطقة صحراوية قليلة المصادر الغذائية والماء، وبالتالي، فإنها يجب أن تعمل بكل جهد، للحفاظ على المصادر الطبيعية، وتقليل الانبعاثات الكربونية. وبما أن دولة الإمارات، هي حالياً دولة بترولية، حيث يشكل النفط رافداً رئيساً للدخل، إلا أن ذلك لم يقف عائقاً أمام جهودها للانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، كالشمس مثلاً.

أهم مخاوف الناشطين في مجال حماية البيئة في منطقتنا، يكمن في الحقائق التالية، وهي فقدان التنوع البيولوجي، الذي عرفت به المنطقة في الماضي، والاحتباس الحراري، والبصمة الكربونية العالية، والتغير الحضري السريع، وتأثيره في البيئة، وغيرها من القضايا التي تثير قلق المدافعين عن البيئة. وتبذل الإمارات حالياً جهوداً حثيثة لإيجاد الحلول البيئية، والتقليل من الأضرار التي أصابت البيئة الفطرية، من جراء عملية التحضر السريعة، التي مست جميع مناطق الدولة دون استثناء.

فلا يخفى على أحد، أن مدن الإمارات جميعها، قد تحولت في ظرف نصف قرن، من قرى صغيرة لا يتعدى عدد سكانها بضعة آلاف، إلى مدن كبيرة، بعضها تحتضن اليوم ملايين من البشر، الأمر الذي يتطلب بنية تحتية حديثة، وتخطيطاً حضرياً جديداً. وهذا الأمر لا شك كان له تأثير كبير في البيئة المحلية. فقد اختفت تلك الكثبان الرملية، أو ما يعرف محلياً «الطعوس»، التي تميز البيئة الصحراوية عموماً، وظهرت محلها بنايات زجاجية شاهقة، وتقلصت النباتات المحلية والفطرية، والتي تم دفعها إلى محميات مسورة، حتى لا تتعرض للانقراض.

ولا شك أن البيئة بشكلها الحالي، مغايرة تماماً عن البيئة التي عرفتها الأجيال القديمة. ويتذكر أهل الخليج بالتحديد، كيف أن التلوث قد أصاب بيئتهم الفطرية في مقتل. فما حدث في منطقة الخليج منذ أواخر العشرينيات من القرن العشرين، من اختفاء اللؤلؤ الطبيعي، الذي كان بمثابة عصب الحياة الاقتصادية لمعظم دول الخليج، يظل حقيقة ماثلة أمام أعينهم. فأحد أسباب اختفاء أو ندرة اللؤلؤ الطبيعي، كان التلوث الذي أصاب مياه الخليج، مع بدء تصدير النفط.

فقد كانت ناقلات النفط التي كانت تأتي إلى الخليج، محملة بالمياه التي تفرغها في مياه الخليج، قبل أن تعبأ بالنفط، وتعود إلى موانئ اليابان أو أوروبا. وبمرور الوقت، فإن مياه الخليج تلوثت بالنفط، ولم تعد سفن الغوص تعود بمحصول وفير من اللؤلؤ، كما كانت في السابق، وبمرور الوقت، بدأ اللؤلؤ الطبيعي يختفي من الهيرات. إذا تظل الاستدامة البيئة تشكل هاجساً لصناع القرار. فهي مسؤولية كبيرة تتشارك فيها الدولة والمجتمع.

فلا يمكن الوصول إلى استدامة بيئية دون التخطيط المستقبلي الجيد. فحتى نترك للأجيال الجديدة مجتمعاً صحياً ونظيفاً، لا بد من التخطيط الجيد له. فحماية الموارد الطبيعية من الهدر والتقليل من الانبعاثات الكربونية، والتعاون الدولي لحماية المناخ، هو من ضمن أجندة الإمارات للخمسين عاماً القادمة.

Email