الإفلاس.. بين الإشهار وإعادة الهيكلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشكل قانون الإفلاس طوق النجاة في الكثير من الأعمال التي تواجه تحديات مالية صعبة، كما وفر حماية أكبر لأصحاب الأعمال والمستثمرين بدولة الإمارات العربية المتحدة لأنه يحد من تلاعب الشركات الموجودة في السوق دون غطاء مالي، فهو وسيلة من وسائل التنفيذ على المدين ويطبق على فئة خاصة من الناس هي فئة التجار وبالنسبة لنوع معين من الديون هي الديون التجارية.

ومن المتعارف عليه أن يستقل التاجر سواء كان شخصاً أو شركة بشؤونه وإدارة أمواله طالما استمر بدفع ما عليه من الديون في مواعيد استحقاقها لكنه إذا توقف عن الدفع وعجز عن الوفاء بديونه عندئذ وجب رفع يده عن إدارة أمواله منعاً له من العبث بحقوق دائنيه وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه نظام الإفلاس، فهو يعمد إلى حماية حقوق الدائنين وتحقيق المساواة فيما بينهم حتى لا يستوفي بعضهم كل ديونه ويحرم البعض الآخر، وإلى منع المفلس من إدارة أمواله حتى لا يبددها ولا يعبث بحقوق الدائنين.

ونظم المشرع الإماراتي حالة الإفلاس بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم 9 لسنة 2016 المعدل بالمرسوم بقانون اتحادي رقم 21 لسنة 2020 الذي تسري أحكامه على كل من يتمتع بصفة التاجر سواء كان شخصاً أو شركة، وكذلك على الشركات المملوكة للحكومة الاتحادية أو المحلية التي تنص عقود تأسيسها أو نظامها الأساسي على إخضاعها للمرسوم بالإضافة إلى الشركات المدنية ذات الطابع المهني.

وسعى المشرع من خلال هذا المرسوم إلى الحد من محاولات الشركات والتجار تحقيق الإفلاس، وحماية لحقوق كل الأطراف خصوصاً الدائنين والمدينين لأن نصوصه القانونية تمكن المدينين من الوفاء بالتزاماتهم على مدى زمني طويل ويمكنهم من الاستمرار في أعمالهم، فأفرد باباً للصلح الواقي من الإفلاس يهدف إجراءاته إلى مساعدة المدين للوصول إلى تسويات مع دائنيه بمقتضى خطة صلح واق من الإفلاس تحت إشراف المحكمة وبمساعدة أمين الصلح، حيث نصت المادة السادسة على أنه يجوز للمدين دون غيره أن يتقدم للمحكمة بطلب الصلح الواقي من الإفلاس إذا كان يواجه صعوبات مالية تستدعي مساعدته للوصول إلى تسويات مع دائنيه، ويشترط لقبول طلب الصلح الواقي من الإفلاس ألا يكون المدين متوقفاً عن دفع ديونه المستحقة وذلك لمدة تزيد على 30 يوم عمل متتالية نتيجة اضطراب مركزه المالي أو في حالة ذمة مالية مدينة، كما نصت المادة السابعة على أنه يترتب على طلب المدين للصلح الواقي وقف نفاذ التزاماته المنصوص عليها في المادة «68» من هذا المرسوم بقانون وذلك خلال الفترة الممتدة من تاريخ تقديم الطلب وصدور قرار من المحكمة بقبول أو رفض امتناع إجراءات الصلح الواقي من الإفلاس، ويستمر الوقف في حالة قبول الطلب طيلة مدة تلك الإجراءات.

وجاءت تعديلات بعض أحكام الإفلاس لتوائم التشريعات السارية في الدولة خصوصاً بعد تداعيات جائحة كورونا التي خيمت على العالم أجمع وذلك لوقاية الشركات ومساعدتها للتعافي من الآثار التي خلفتها تلك الجائحة، كما وفر ذلك التعديل تأمين السيولة المالية اللازمة لتعافي الشركات بحيث يتم التوازن بين توقف المدين عن السداد وتوفير فرص جديدة له في مناخ منضبط تحكمه قواعد واضحة تحمي كلاً من الدائن والمدين، واستحدث المشرع أيضاً فكرة «الحالة الطارئة»، حيث أخذ في الحسبان إمكانية إتاحة المجال للمدين في تقديم الطلبات وقبولها من المحكمة وفق معايير خاصة في حالة تقدم المدين بالطلب خلال الأزمة المالية الطارئة، فللمحكمة قبول الطلب واتخاذ ما تراه من إجراءات يشمل ذلك أن تقرر السير في الإجراءات دون الحاجة لتعيين خبير أو أمين، بشرط أن يثبت أن اضطراب مركزه المالي أو حالته المالية المدينة نشأت بسبب الأزمة المالية الطارئة.

وفي حالة الحكم بشهر الإفلاس وعلى خلاف الأحكام الأخرى النسبية فإن حجيته تكون مطلقة من حيث الأشخاص ومن حيث الأموال التي يتناولها، فمن حيث الأشخاص فإنه متى صدر الحكم بشهر الإفلاس فإن المدين المفلس لا يعد كذلك من منظور دائنه الذي طالب بشهر إفلاسه فقط، بل يتعدى ذلك إلى سائر الدائنين حتى وإن لم يكونوا من أطراف الدعوى أو أن ديونهم لم يحل أجلها بعد، أما من حيث الأموال فقانون الإفلاس يطال كل الأموال الحاضرة واللاحقة، إذ تغل يد المفلس عن التصرف في ممتلكاته أو فيما سيملكه أو سيؤول إليه من حقوق إلا ما استثني بنص وإذا حكم بإشهار إفلاس الشركة وتصفية أموالها وجب إشهار إفلاس جميع الشركاء المتضامنين فيها، بل أيضاً في حال إذا قضت المحكمة بإشهار إفلاس الشركة جاز للمحكمة من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب أي طرف ذي مصلحة أن تقضي بإشهار إفلاس كل شخص قام باسمها بأعمال تجارية لحسابه الخاص وتصرف في أموالها كما لو كانت أمواله الخاصة، فقانون الإفلاس قد شرع لغايات تنظيم وتقنين أعمال الشركات والحفاظ على حقوق الدائنين والمدينين سواء بناء على شروط وقواعد وإجراءات قانونية إلا أن الأمر لا يخلو من بعض المسائل التي ما زالت بحاجة إلى مراجعة وتدعيم بخصوص أشخاص مجالس المديرين والمحاسبين بالشركات ومدى تأثيرهم ودورهم ومسؤولياتهم في إفلاس الشركة كشركات المساهمة، والتي تقوم على المساهمات المودعة من الأشخاص المساهمين والموظفين العاملين بتلك الشركات وما قد يحل بهم نتيجة إفلاس الشركة من ضياع حقوقهم ومستحقاتهم.

Email