بايدن والشرق الأوسط الجديد

دخل الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن البيت الأبيض الأسبوع الماضي، وبنفس الفترة شاهدنا عملية إرهابية في العاصمة العراقية بغداد راح ضحيتها ما يقارب 32 شخصاً وأصيب 110 أشخاص على الأقل، وهذه العملية البشعة لم يرتكبها إلا أبشع وأقذر الجماعات الإرهابية «داعش»، وقد تبنى التنظيم الإرهابي هذه العملية، فقتل الأبرياء في وسط المدينة، أمر عادي واعتيادي بالنسبة له، وهذا الأمر ليس مناط حديثي في هذه المقالة، إنما أود التركيز على بعض ردود الفعل التي تبعت هذه الجريمة، وربط البعض هذا التفجير بوصول الرئيس الأمريكي الجديد للبيت الأبيض، باعتبار أن هناك بعض الآراء والتحليلات تتحدث عن دعم أمريكا في عهد باراك أوباما لجماعات الإسلام السياسي للتأثير في الأنظمة العربية، وكون أن جو بايدن كان نائباً لأوباما، فالبعض يرى أن بايدن سيحاول المضي على نفس السياسات القديمة، ومن وجهة نظري لن يحدث هذا، فأمريكا اليوم لن تستمر في اتباع سياسة «القيادة من الخلف» بل ستكون هي في الواجهة في جميع الأمور والملفات. والملفات في الشرق الأوسط تغيرت وتبدلت، ولذلك السياسة الخارجية الأمريكية ستتغير.

الشرق الأوسط تغير كثيراً خلال السنوات الأربع الماضية، وبدأت منطقتنا تبني تحالفاتها السياسية الساندة لاستقرارها واستقرار مكتسباتها، وأغلب دولنا وضعت الخطة التنموية والسياسات والإجراءات لتطوير الاقتصاد، وهذا التطور غيّر الكثير في دولنا، وجماعات الإسلام السياسي بما فيها «الإخوان» لم يعد لها القوة والتأثير كما كانت في السابق، بعد أن انكشفت حقيقتهم وتم تعريتهم وفضحهم أمام الشعوب العربية، لهذا ستكون هذه الورقة خاسرة لمن يحاول استعمالها.

أما فيما يخص الجماعات الإرهابية مثل «داعش»، فشعوبنا تنبذ هذا الإجرام وباتت ترى أنهم إرهابيون يحاولون التدثر بالدين والدين براء منهم ومن إجرامهم، وهذه الورقة أيضاً خاسرة.

الاتفاق الإبراهيمي ومعاهدات السلام العربية مع إسرائيل غيرت الكثير في منطقتنا، وأصبح السلام هو الهدف الاستراتيجي للجميع في الشرق الأوسط بعد سنوات من التعب والقتل والكراهية، وهذه النقطة الإيجابية هي أهم التطورات التي طرأت على الشرق الأوسط.

وأيضاً من الأمور التي تغيرت في منطقتنا، أن الأنظمة باتت أكثر واقعية في التعامل مع قضاياها الداخلية، وأصبح لبعض دولنا ثقل سياسي وتأثير كبير على الصعيد الدولي، ولذلك فإن الأوراق القديمة لم تعد تجدي نفعاً.

أمريكا غابت عن العديد من المشاهد المهمة في الشرق الأوسط، ولم تلعب دورها المعهود خلال الفترة الرئاسية لترامب، ولهذا وجدنا العديد من الدول تبحث عن شراكات سياسية أو عسكرية بعيداً عن واشنطن، ولهذا أرى أن سياسة بايدن ستراعي مصالح الشركاء، وتعيد بناء الشراكات مع حلفائها في المنطقة، ولن يكون اللون الرمادي مناسباً لاسترجاع مكانة أمريكا وتأثيرها العالمي.

النظرة المتشائمة وأصحاب نظرية أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستتبع نفس سياسات الفترات الرئاسية السابقة، عليهم قراءة جميع المتغيرات والأحداث التي طرأت خلال السنوات الأربع الماضية، وكيف أن واقعاً جديداً تشكّل في الشرق الأوسط، والمهم أن شعوبنا تغيرت وأصبحت على معرفة وإدراك بكل ما يدور حولها، وأصبحت قادرة على تمييز تجار القضايا بعد أن عرتهم المواقف والأحداث.

التماسك ووحدة الصف هي كل ما نحتاجه خلال الفترة المقبلة، والتحالفات الاستراتيجية التي بنتها دولنا، سيكون لها كلمتها في قادم السنوات، والثقل السياسي لدولنا سيكون أكبر إن استمررنا في بناء التحالفات والشراكات الاستراتيجية مع القوى العالمية الصاعدة.

بصرف النظر عن كيفية إدارة بايدن لملفاته الخارجية، وشكل العلاقة مع الحلفاء والأعداء، إلا أنه بقوة شراكاتنا سننتصر على جميع من يحاول العبث بأوطاننا من أحزاب سياسية، أو ميليشيات إرهابية، أو حتى أجندات دولية.

بايدن وإدارته أمام شرق أوسط جديد، والأوراق القديمة ذهبت إلى مزبلة التاريخ، ونأمل أن تتصاعد نغمة السلام والبناء والتنمية في الشرق الأوسط، لأن شعوبنا عانت الصراع لسنوات، ولا نريد ما يجلب لنا الدمار، فما نريده شركاء استراتيجيون يساعدون على إعادة إعمار ما حل بعالمنا العربي من دمار.

* كاتب وإعلامي