أبناؤنا والبيئة الرقمية الآمنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

إنه وعلى الرغم من كل التغيرات التي طرأت على المجتمعات المعاصرة، فلا تزال الحياة الأسرية ذات أهمية وقيمة كبرى بالنسبة إلى كل فرد، لا تعادلها جماعة أخرى، ومن ثم فإن رعاية الأسرة وحمايتها من كل ما من شأنه التأثير في بنائها ووظائفها يعتبر من الأمور التي يحرص عليها أي مجتمع.

ولقد تزايد الاهتمام بالأسرة في عصر تتزايد فيه التغيرات وتتعرض حياة الفرد والمجتمع لاختبارات وتحديات، ولذا فإن وضع الأسرة في عصرنا الحالي مصحوب بالمخاطر وخصوصاً الأطفال، ما يتطلب معه الاهتمام بالأسرة ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضاً على المستوى الدولي.

وتكتسب الأسرة أهميتها من أنها تعمل على تحقيق عملية البناء والإنماء، حيث تقدم للمجتمع أثمن ثروة يعتمد عليها في بنائه ونمائه، ألا وهي الثروة البشرية. ومما لا شك فيه أنه في عالمنا المعاصر الذي تنتشر فيه الألعاب الإلكترونية على الأجهزة الذكية المتعددة، والتي هي بمتناول يد الأطفال من سن الروضة إلى سن الثامنة عشرة، أي مرحلة المراهقة الخطرة، يعيش فيها الطفل والمراهق في عالم افتراضي يأسرهما ويوجه قدراتهما وطاقتهما بسرعة فائقة نحو الجذب والتفاعل اللا إرادي، والتي يقضيان معها منعزلين ساعات طوالاً دون رقيب أو حسيب، وتجعلهما يعيشان عالماً افتراضياً يعزلهما عن الواقع، وتدفعهما بعد ذلك إلى ما لا تحمد عاقبته، ومن ذلك ما انتشر أخيراً من ألعاب تستهدف جميع الفئات العمرية، وخصوصاً الشباب، الأمر الذي بدوره أنهى دور الطفل التقليدي في محيط أسرته بالمشاركة والتفاعل الجماعي، ما يزيد مخاطر إصابته بسلوك الانطوائية والعدوانية، الشيء الذي مما لا شك فيه يتطور إلى أمراض نفسية وعدوانية معقدة، وخصوصاً الألعاب التي تكون نهايتها مأساوية مثل الانتحار، لا قدر الله، لأن هذه الألعاب تبدو في ظاهرها بسيطة، لكنها للأسف تستخدم أساليب نفسية معقدة وتجتذب محبي المغامرة وعاشقي الألعاب الإلكترونية، لأنها تستغل لديهم عامل المنافسة تحت مظلة البقاء للأقوى. وهو ما حصل بالفعل لأطفال في دول عربية شقيقة مع لعبة «الحوت الأزرق»، ولعبة «مومو» المميتة، ولعبة «تحدي الشنق» الموجود على تطبيق «تيك توك».

ومن هذا المنطلق، وحرصاً من قيادتنا الرشيدة على تجنّب تداعيات هذه الألعاب، من مخاطر جسيمة على الأبناء وكيان الأسرة «نواة المجتمع» وقيمها الاجتماعية والأخلاقية في بلادنا، دولة الإمارات، اعتمد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، السياسة الوطنية لجودة الحياة الرقمية، الهادفة إلى خلق مجتمع رقمي آمن في دولة الإمارات، وتعزيز هوية إيجابية ذات تفاعل رقمي هادف، بإطلاق «ميثاق قيم وسلوكيات المواطنة الرقمية الإيجابية»، والذي يُؤطّر مجموعة القيم والسلوكيات للمواطنة الرقمية الإيجابية، مؤكداً سموه أهمية تعزيز جودة الحياة الرقمية في المجتمع الإماراتي بسياسات ومبادرات ومشاريع نوعية، تواكب المتغيرات المستجدة في العالم الرقمي المحلي والعالمي، من خلال تحفيز المجتمع الرقمي، وتعزيز ريادة دولة الإمارات، وصولاً لمراتب أكثر تقدّماً ضمن مؤشر التنافسية الرقمية الذي تتصدر فيه الدولة عربياً، وتحتل المرتبة 12 عالمياً في 3 محاور رئيسية هي: «التكنولوجيا - والجاهزية للمستقبل - والمعرفة».

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فلا بد من التذكير والإشادة أيضاً «بمبادرة السلامة الرقمية للطفل» التي أطلقتها وزارة الداخلية بالشراكة مع البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة، بالتزامن مع «يوم الطفل الإماراتي»، والتي تسعى بدورها أيضاً إلى مساعدة الآباء والأمهات في حماية الحياة الرقمية لأطفالهم، ومواجهة ما يتعرضون له عبر المواقع الإلكترونية وتطبيقات التواصل الاجتماعي.

وتعد هذه المبادرة المهمة المشتركة استمراراً لمسيرة مشاريع ريادية تطرحها الوزارات الحكومية المختصة، حيث أطلقت وزارة الداخلية مبادرات تستهدف تعزيز حماية الأطفال من بينها «جهود ومشاريع مركز حماية الطفل بالوزارة، والخط الساخن، وحمايتي، والنداء الذكي لمساعدة الأطفال».

وكما هو معلوم فإن الإمارات تتصدر عدداً من المؤشرات العالمية المرتبطة بالحياة الرقمية، أهمها، المركز الأول عالمياً في مستخدمي الإنترنت بنسبة 98 %، والمركز الأول عالمياً في مستخدمي الهاتف الذكي بنسبة 82 %، والمركز الأول عالمياً أيضاً في عدد حسابات «فيسبوك» نسبة إلى عدد السكان بنسبة 83 %.

إن «مبادرة السلامة الرقمية للطفل» التي يأتي إطلاقها بالشراكة مع وزارة الداخلية، إنما تأتي استكمالاً لجهود حكومية واعية ومتواصلة لتمكين المجتمع من مواجهة التحديات الرقمية، بالتركيز على توفير الأدوات وتطوير الحلول لمساعدة الآباء والأمهات في توظيف الجانب الإيجابي للإنترنت لتعزيز السلامة الرقمية لأطفالهم وحمايتهم من مهددات تغيرات رياح العولمة.

* كاتبة إماراتية

Email