جائحة «كوفيد 19» وصنع الفرص من الأزمات

ت + ت - الحجم الطبيعي

تطورت جائحة «كوفيد 19» إلى حدث مأساوي شاسع النطاق، نأمل ألا نرى مثيلاً له في حياتنا. ولكن بحسب المقولة الشهيرة لوينستون تشرشل «علينا ألا ندع أي أزمة تذهب سدى». وهو ما ينطبق هنا بالتأكيد إذا ما أردنا النهوض من رماد دمار اقتصادي غير مسبوق.

في الآونة الأخيرة، أمضيت وقتاً طويلاً في تتبّع تقلّبات سوق النفط الخليجية، والتي تحتفظ بأكثر من نصف احتياطي نفطها المؤكد تحت رمالها الصحراوية. ولكن الجائحة تسببت بشكل مباشر في أكبر انخفاض في الطلب على الطاقة منذ 70 عاماً.

وهو ما دفع ميغان أوسوليفان، مدير السياسات الجغرافية للطاقة في كلية كينيدي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد إلى القول: «إنها صدمة يصعب المبالغة في وصفها، فهي غير مسبوقة على الإطلاق» ولكن على الجانب الآخر شهدنا خلال الأشهر الأربعة الماضية ما هو ممكن حال تكثيف الجهود البيئية، حيث انقشع الضباب الدخاني من المدن الخالية من الازدحام المروري مع تسجيل انخفاض قياسي في مستويات غازات الاحتباس الحراري.

وسؤال التريليون الذي يطرح نفسه هنا: هل ستتكاتف الحكومات والصناعات لإحداث تحول عالمي ملموس في الطاقة لتحقيق أهداف المناخ لقمة باريس عن طريق الحد من الاحترار العالمي إلى أقل من 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050؟

لقد وضعت وكالة الطاقة الدولية خريطة طريق لما يجب القيام به في حقبة ما بعد كوفيد 19 للإصلاح البيئي، وطالبت القادة بالتصرف الآن بحسب خطة موضوعة بقيمة 3 تريليونات دولار لاعتماد سياسات طاقة أنظف.

وهي ما لخصها المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، خلال مقابلة أجراها عبر الإنترنت: «أولاً، تحسين كفاءة الطاقة، وخاصة في المباني. ثانياً، تسريع اعتماد الطاقة المتجددة، وخاصة الشمسية، وثالثاً، تحديث شبكات الكهرباء التي نستخدمها».

ويمكن وصف هذه الخطة الطموحة بنسخة القرن الحادي والعشرين من خطة «مارشال» التي ساعدت على إعادة بناء أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث تؤمن وكالة الطاقة الدولية أن المخطط الرئيس يمكنه خلق 9 ملايين وظيفة على مدى 3 سنوات وبدء ثورة خضراء.

ورغم الشوط الكبير الذي تقطعه أوروبا في هذا المجال، لا تزال هناك مخاوف حقيقية بشأن ما إذا كان أكبر مستهلكي الطاقة، وهما الولايات المتحدة والصين، ستجعلان من التحول العالمي للطاقة أولوية على أجندتيهما.

وهو ما قال عنه فارون سيفارام، الباحث بمركز جامعة كولومبيا لسياسات الطاقة العالمية في نيويورك: أخشى أننا قد نشهد تراجعاً فعلياً في الصين. فمن ناحية، نشطت الصين في الاستثمار في البنية التحتية لشبكة شحن السيارات الكهربائية، ورقمنة خطوط نقل الجهد الفائق. ولكن من ناحية أخرى، نرى عودة قوية لطاقة الفحم الحجري.

ويشعر سيفارام هو وغيره من خبراء الطاقة بالقلق إزاء استمرار تصدير الصين لتكنولوجيا مصانع الفحم لأفريقيا، بينما ينشغل العالم بالجائحة. كما خفف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خطابه ليصبح مناصراً لصناعة الفحم في أمريكا، فهو لا يزال يؤمن بأن طفرة الصخر النفطي في بلاده حققت قدراً أكبر من الاستقلال في الطاقة، وساعدت على خفض انبعاثات الكربون، وأن الانتقال للطاقة النظيفة ليس ضمن الأولويات حالياً، وخاصة مع بدء الموجة الثانية من الجائحة في العديد من الولايات.

وأصدر سيفارام للتو كتاباً بعنوان «تنشيط أمريكا» والذي، مثل وكالة الطاقة الدولية، يضع مخططاً لتسريع التحول بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر، قال فيه إن الاستثمار في ابتكارات الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة سيمكننا من مكافحة تغير المناخ بتقنيات جديدة ومحسنة. الأمر الذي سيساعدنا على بناء صناعات المستقبل التي يمكن للولايات المتحدة أن تزدهر منها.

وبعد إنفاق 10 تريليونات دولار في جميع أنحاء العالم للتخفيف من تبعات الجائحة، لا تزال الدول المتقدمة، باستثناء أوروبا، مترددة في انتهاز فرص الثورة الاقتصادية الخضراء.

* محرر الأسواق الناشئة، CNN، ومضيف تحدي الطاقة العالمي

Email