«بريكست» من دون اتفاق بداية مسار عسير

ت + ت - الحجم الطبيعي

لن يغير بوريس جونسون توجهه السياسي، وكما أوضح رئيس وزراء بريطانيا أخيراً، فإنه لا نية لديه الطلب من الاتحاد الأوروبي تمديد موعد «بريكست»، بالتالي، حتى لو لم يجر التوصل إلى اتفاق، فإنه سيأخذ بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي من دونه. ما إذا كان بوسعه القيام بذلك أم لا، فإن ذلك يعتمد إلى حد بعيد على ما يفعله البرلمان.

لكن حتى لو نجح جونسون وانسحبت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق في 31 أكتوبر، فإن هذا لن يشكل نهاية مسار «بريكست»، إذ سيحتاج الطرفان في نهاية المطاف للبدء بالمباحثات من جديد، وعند تلك اللحظة، قد نفتقد إلى مسار المادة 50 التي جرى الافتراء عليها.

فإذا غادرت المملكة المتحدة من دون اتفاق، فإنها ستضطر في النهاية للتفاوض على طبيعة علاقتها المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، إذ لا توجد دولة تجارية رئيسية في العالم تمارس الأعمال التجارية بناءً على أحكام منظمة التجارة العالمية فقط، ولا يوجد مغزى اقتصادي يذكر في قيام بريطانيا بذلك مع أقرب شركائها التجاريين وأكبرهم.

وما أن تبدأ تلك المباحثات حتى ينتابنا الشعور بالحنين قليلاً للمادة 50، فما تحققه تلك المادة هو إنشاء مسار سريع نحو التوصل إلى اتفاق. صحيح أن الاتحاد الأوروبي سيفسر الاتفاق على أنه اتفاق طلاق بدلاً من اتفاق تجاري ينظم العلاقات المستقبلية، لكن المادة 50 تعتبر مساراً سهل التحقيق بالمقارنة مع الإجراءات التي بموجبها سيجري التفاوض على اتفاقات مع الدول غير الأعضاء. فهذه المادة تتيح للدول الأعضاء في مجلس الاتحاد الأوروبي الموافقة بأغلبية الأصوات المؤهلة على التوقيع على الاتفاق بعد الحصول على موافقة البرلمان الأوروبي.

ومن دون هذا الإجراء، سيصبح المسار أكثر فوضوية إلى درجة كبيرة. أما مقدار الفوضى، فسيعتمد على ما تقرر بريطانيا والاتحاد الأوروبي التباحث بشأنه. فإذا، على سبيل المثال، وافق الاتحاد الأوروبي الذي يتمتع بفائض تجاري مع المملكة المتحدة في السلع، على اتفاق تجاري في مجال السلع فقط، فإنه يمكن القيام بذلك بموجب المادة 207 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي (أساس قانون الاتحاد الأوروبي). ويستلزم ذلك الحصول على الأغلبية المؤهلة في مجلس الاتحاد الأوروبي، دون الحاجة إلى تصديق الدول الأعضاء عليه.

لكن حدوث ذلك يبقى من غير المرجح. ولا يوجد أي مؤشر إلى أن المملكة المتحدة على دراية بنوع العلاقة المستقبلية التي تريدها مع الاتحاد الأوروبي. أهو اتفاق بسيط على التعريفات الجمركية؟ أم شيء أقرب إلى الاتحاد الجمركي؟

وطالما لا تستطيع المملكة المتحدة الإجابة عن هذا السؤال، فإنه من الصعب رؤية كيف يمكن للمجلس تقديم تفويض للمفاوضين نيابة عنه. ومن شأن إقامة علاقة أوسع بكثير مع الاتحاد الأوروبي أن يصب في مصلحة بريطانيا، وهي علاقة لا تشمل الخدمات فحسب (حيث تتمتع بريطانيا بفائض مع الاتحاد الأوروبي)، إنما أيضاً الأمن الداخلي والخارجي على حد سواء. لكن مثل تلك القضايا لا يمكن معالجتها بموجب المادة 207.

ويوجد مشكلة أكبر. فقد أوضح الاتحاد الأوروبي أنه لن يناقش العلاقة المستقبلية مع المملكة المتحدة حتى يتم حل القضايا المشمولة في اتفاقية الانسحاب بما يرضيه: حقوق المواطنين، وفاتورة الطلاق لـ «بريكست» وقيمتها 39 مليار جنيه استرليني، وحدود إيرلندا الشمالية.

وبناءً على ذلك، سيكون أي اتفاق في المستقبل، ليس أقله اتفاق يحل قضايا الانسحاب، بمثابة اتفاق «مختلط»، بمعنى يجب الموافقة عليه من قبل الاتحاد الأوروبي وجميع الدول الأعضاء، وفي بعض الحالات يتطلب موافقة الدول الأعضاء الحصول على إذن من الهيئات دون الوطنية.

وهذا يعني أن دول الاتحاد الأوروبي الـ27 عليهم الموافقة على النص بالإجماع، كما أن أي اتفاق يجري التوصل إليه يجب التصديق عليه ليس فقط من البرلمان الأوروبي، ولكن أيضاً من قبل البرلمانات الوطنية والإقليمية في الدول الأعضاء السبعة والعشرين (وهناك ستة برلمانات إقليمية في بلجيكا وحدها). وكما ظهر في الاتفاق التجاري للاتحاد الأوروبي مع كندا، على سبيل المثال، يتطلب الأمر برلمان «والونيا» لإيقاف الصفقة. كل هذا يؤشر إلى مفاوضات مطولة، وربما إلى عدم التوصل إلى اتفاق أبداً.

ومن الفضائل العظيمة لمسار المادة 50 هي الطريقة التي تعزل تلك المادة القضايا التي يحتمل أن تكون ملتهبة عن الأوضاع السياسية في الدول الأعضاء. وهي توفر غطاءً للدول الأعضاء في المجلس، من خلال السماح لهم بالتفاوض والاتفاق في عزلة عن ذلك، فيما إجراء مفاوضات تشمل البرلمانات الوطنية سيكون مختلفاً تماماً.

يشير التاريخ إلى أن مثل تلك المفاوضات صعبة وتستغرق وقتاً طويلاً. فعندما قررت سويسرا عدم الانضمام إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية، دخلت في عملية مطولة من المفاوضات أدت إلى توقيع سبع اتفاقيات ثنائية في عام 1999. وبعد عشرين عاماً، فإن هناك أكثر من 100 اتفاقية وعملية تفاوض جارية ومثيرة للانقسامات.

لكن الحالة السويسرية تبدو سهلة نسبياً بالمقارنة بما ينتظر المملكة المتحدة. إجراء المفاوضات في ظل خروج بلا اتفاق، من المحتمل أن يؤدي إلى تداعيات اقتصادية كبيرة في عدد من الدول الأعضاء. وستكون قائمة القضايا التي يتعين حلّها أكبر بكثير من تلك المشمولة في الاتفاقيات مع سويسرا. ومن يعتقد أن تاريخ 31 أكتوبر يشكل نهاية لمسار «بريكست»، فهو على خطأ للأسف.

* باحثة قانونية بريطانية

Email