طموح عانق الفضاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

يفكر الناس وينظرون إلى المستقبل، إلا أنهم لا يرونه بالطريقة نفسها. فأن تنظر بعينيك شيء، وأن تدرك بعقلك وقلبك شيء آخر.هكذا كان المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ينظر إلى فضاء المستقبل كلّه بعيون عقله الطامح إلى تحقيق إنجازات علمية رائدة للدولة الوليدة آنذاك، وبعيون قلبه الممتلئ بالحب لشعبه الذي يتوق إلى معانقة السماء والوصول إلى أبعد نقطة يستطيع أن يصلها إنسان في فضاء لا حدود لاتساعه.

كان الشيخ زايد مولعاً بصنع المستقبل وعلوم الفضاء والاتصال التي برزت إلى الواجهة في سبعينيات القرن الماضي، واحتلت صدارة الأخبار العالمية، فبادر بوضع دولة الإمارات العربية المتحدة على خارطة العالم المتقدّم في هذا المجال، ليطلق في الثامن من نوفمبر عام 1975 أولى شرارات الثورة الفضائية في المنطقة، عبر افتتاح المحطة الأرضية للاتصال بالأقمار الصناعية في منطقة جبل علي في دبي.

ولكي يكون على اطلاع مباشر وفاعل بعلوم الفضاء استقبل في عام 1976 رواد الفضاء الأمريكيين من وكالة (ناسا) الذين قاموا برحلة إلى القمر ضمن برنامج (أبولو)، ويومها صرح قائلاً: «الاكتشافات العلمية في قطاع الفضاء تبشر بمستقبل واعد للعلم والعلماء والبشرية».

رحم الله الشيخ زايد الذي فتح طريق الفضاء أمام أبناء الإمارات، وسلم الراية لقادتنا الكرام الذين لم يوفروا جهداً في هذا الميدان، حتى باتت الإمارات من أوائل الدول على المستوى العالمي في إنجازاتها في مختلف مجالات علوم الفضاء، فكان إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، «مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة» عام 2006 نقطة محورية في تقنين وتنظيم وتطوير أبحاث الفضاء، التي أسفرت عن العديد من الإنجازات العظيمة ولاسيما بعد دمج المؤسسة مع «مركز محمد بن راشد للفضاء»، وتأسيس وكالة الإمارات للفضاء، حيث تمتلك الإمارات اليوم ما يزيد على عشرة أقمار صناعية، نفخر بأن أهمها هو «خليفة سات» المنجز بأيدٍ وخبرات إماراتية 100%، كما تمتلك برنامج فضاء متقدّماً تُوِّجَ اليوم بالتحاق أول رائد فضاء إماراتي (هزاع المنصوري) بمحطة الفضاء الدولية.

لقد فكرت قيادتنا الرشيدة في ترسيخ موقع الإمارات كدولة رائدة في هذا الميدان، فتمّ اعتماد القانون الاتحادي بشأن تنظيم قطاع الفضاء، خلال سبتمبر من العام الماضي، وهو القانون الأول من نوعه على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وسبق ذلك في عام 2017 إطلاق مشروع بناء المدينة الفضائية الأولى من نوعها «مشروع المريخ 2117» الذي يرمي إلى إعداد كوادر علمية وتخصصية وطنية مؤهلة لاستكشاف كوكب المريخ ودراسته من أجل بناء مستوطنة بشرية عليه خلال 100 عام.

وتعزيزاً للقوة المعرفية في هذا المجال أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، برنامج الإمارات لرواد الفضاء، بهدف تدريب وإعداد فريق من رواد الفضاء الإماراتيين وإرسالهم إلى الفضاء للقيام بمهام علمية مختلفة، ليكون أولهم رائد الفضاء هزاع المنصوري الذي نتطلع إليه اليوم بعيون ملؤها الفخر والأمل والثقة والمحبة.

وبوصول المنصوري إلى محطة الفضاء الدولية، يعلو أمل الإماراتيين بأن يصل «مسبار الأمل» إلى الكوكب الأحمر في العام 2021 تزامناً مع احتفالات الدولة بنصف قرن على تأسيسها، بوصفه إنجازاً تاريخياً لدولة الإمارات العربية المتحدة في مجال استكشاف الفضاء، وليس أجمل من كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد تأكيداً على ذلك وترسيخاً للثقة بمقدرة وإنجازات أبناء الإمارات: «المحطة القادمة هي المريخ عن طريق مسبار الأمل الذي صممه ونفذه شباب الإمارات بكل اقتدار».

صحيح أنّ الغرب حقّق إنجازات عظيمة في ميدان الفضاء، وهو يرسل الرواد لاستكشافه منذ ستينيات القرن الماضي، لكننا هنا لسنا في صدد مقارنات ومنافسة، وإنما في موقع تعاون وتكامل مع أصدقائنا من الدول الطامحة إلى تعزيز المعرفة الإنسانية بالعالم الذي يجاورنا في مجموعتنا الشمسية، وحتى خارج حدود مجموعتنا الشمسية.

لم يسافر هزاع المنصوري اليوم إلى الفضاء بمفرده، بل رافقته قلوب الإماراتيين جميعاً.. ولم يحمل حقيبة سفر، بل حمل حقيبة أحلام وطموحات لا حدود لاتساعها.. حمل «طموح زايد» وأحلام أبناء زايد، وبذرة أمل سيزرعها في الفضاء لتنبت قريباً مستقبلاً زاهراً لشعب عظيم يعانق طموحه الفضاء.

* مستشار أول للأداء الحكومي- المجلس التنفيذي لإمارة دبي

Email