الليغو البشرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيراً ما نسمع عن أهمية بناء الفرق، وكيف يساعد هذا الأمر في إنجاز المهام بصورة أكبر، ولكن غالباً لا ندرك تلك الأهمية، وكثيراً ما نعتبرها جزءاً من فلسفة الإدارة غير المجدية.

ولكن لو أمعنا النظر في أي عملية بناء، وأقصد هنا التشييد أو بناء البيوت أو الصروح أو العمارات والبنايات، فسنجد أن فريق البناء هو من يطبق المعنى الحرفي لبناء الفريق.

فهؤلاء العمال لم يذهبوا ليقضوا أسبوعاً في أحد الفنادق الفاخرة ليلعبوا لعبة شد الحبل لينسجموا معاً كفريق، ولم يذهبوا لتسلق جبال الألب ليعلموا أن حياتهم مرهونة بحياة زملائهم، ونجاحهم من نجاح زملائهم، إنما قضوا أصعب اللحظات في مكان عملهم كفريق أنجز مهمة التشييد، ولكل شخص دوره الذي يقوم به، ويكمله شخص من بعده، ليصل في النهاية للشكل النهائي.

بناء الفرق لا يعني أن يجتمع الجميع على رأي واحد، ولا تعني أبداً أن يتعلموا كيف يتحاورون مع بعض، ولا هو حالة الانسجام بين الموظفين أو العاملين، إنما الفريق الحقيقي، هو من يجمع كل هؤلاء المتناقضات، يجمع صاحب الفكر الأوحد مع صاحب المراس الصعب، مع صاحب اللكمة القوية، مع صاحب الأسلوب المنفعل، وزميله الصامت الذي يعمل دون أن تحس بوجوده، كل هؤلاء يجتمعون ليشكلوا فريقاً ينجز مهمة أو عملاً مطلوباً منهم، وهؤلاء ليسوا بحاجة لأن يكونوا منسجمين، إنما يحتاجون لقيادة قادرة على توزيع الأدوار، وإخراج أفضل ما في هؤلاء المتناقضين.

كثيراً ما تفشل الإدارة في فهم كيفية بناء الفرق، فكثيراً ما تركز الدراسات والنظريات في هذا الشأن عن وجوب وجود الانسجام وقدرة الفريق على الانخراط بين مكوناته، ولكن تتناسى هذه الدراسات أنه ليس بالضرورة أن يكون كل انسجام إيجابياً، وتتناسى أيضاً أن الأهم من الانسجام، هو قدرة الفريق على تحديد الأدوار وتوزيعها، والقدرة على حل المشكلات.

والأهم من هذا كله، هو كيفية توظيف الطموحات الشخصية مع الطموح العام للمؤسسة أو الشركة أو حتى الوزارة، فلكل إنسان هدف من عمله، سواء كان مادياً أو معنوياً، أو حتى اعتباره قفزة لمكان آخر، ولهذا، من الضروري عند بناء الفرق، هو جعل الأهداف الشخصية جزءاً من الأهداف العامة، وإلا لن يكون الفريق ناجحاً، فعندما تتضارب المصالح مع العوائد، تفشل الحكاية برمتها.

كثيراً ما نستخدم حكاية الأب أو الأم اللذين يعاملان أولادهما بكل حنكة، حيث يظهر الحب لكل ولد دون علم الآخر، ويخبران كل واحد منهم أنهما يحبانه أكثر، وهذه حقيقة، فقد يحب في ولد ميزة أكثر عن بقية أولاده، وهنا تكمن الحنكة والفطنة الوالدية، على كلٍ، فهذه القصة إن تحولت لنظام لدى المديرين والقادة، ستُبني الفرق القادرة على إنجاز أصعب المهام،.

حيث إن كل فرد في الفريق يسعى لأن يكون هو بالمرتبة الأولى، ومن شدة حبه لهذا الأمر، فإنه سيجدف بالاتجاه المعاكس ليصل لهدفه، في حين أنه لو استطعت أن تجعل جميع أفراد فريق العمل يجدفون باتجاه واحد، ستعبر المحيطات، حتى وإن قابلتك العواصف، وهذا ما يعبر عنه «باتريك لينسيوني» مؤسس ورئيس شركة تابل غروب The Table Group، التي تقدم الاستشارات الإدارية لكبرى الشركات والمؤسسات، في كتابه «العوامل الخمسة لخلل العمل الجماعي»، ويصف باتريك أن العمل الجماعي، هو من يستطيع أن يجعلك تتميز عن منافسيك، حتى وإن اتفقوا عليك مادياً ولوجستياً.

الحقيقة أن العمل الجمعي وبناء الفرق، لا ينطبق على العمل المؤسسي فقط، إنما هو أسلوب لإدارة الحياة بشكل كامل، فحتى الأسرة، يجب أن تُبنى الفرق بداخلها، وتُقسم الأدوار، بحيث يعملون جميعاً للإبحار في سفينة الأسرة تجاه أفضل الوجهات، وحتى في العلاقات والصداقات، فقد تجد مجموعة من الأصدقاء يحولون صداقتهم لمشاريع ضخمة، عبر استغلال مهارات هذه الفرقة وتوظيفها بالشكل الصحيح، وكذلك المؤسسات والشركات والوزارات، وحتى الدول، فعندما تبني فريقاً حكومياً قادراً على خدمة الشعب.

وعندما يبني كل وزير فريق عمل لتسهيل حياة المواطنين، وعندما يبنى كل مدير دائرة فريق عمل قادر على ابتكار نماذج جديدة للعمل، وعندما يبني كل مدير فريق عمله الذي يراقب تنفيذ القرارات، بالطبع هذا كله سيصب في النهاية، لإيجاد حكومة ناجحة في إسعاد مواطنيها، وهذا ينطبق على المؤسسات والشركات، مهما كانت صغيرة أو حتى كبيرة.

إن من المهم بناء الفرق، ومن المهم أيضاً هو معرفة كيفية بناء هذا الفريق، وعندما نصل بفريق عملنا لأن يكون فريق بناء، سننجح، فعالمنا اليوم قائم على التشاركية، والعالم بأسره أصبح متاحاً لأولئك القادرين على تركيب قطع «الليغو البشرية»، ويوظفونها بمكانها الصحيح، ويستخرجون أفضل ما فيها.

Ⅶ كاتب وإعلامي

 

Email