الائتلاف الحكومي في إيطاليا أمام الاختبار

ت + ت - الحجم الطبيعي

تنفس السياسيون الصعداء في بروكسل أخيراً، عندما تشكلت حكومة ائتلافية جديدة في إيطاليا، قامت بنفي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية السابق ماتيو سالفيني، المناهض للهجرة واليورو، وحزبه «عصبة الشمال» إلى المعارضة.

لكن لا يزال هناك الكثير من الأسئلة بشأن مستقبل اتفاق يبدو غير محتمل، ما بين حركة «خمس نجوم» المناهضة للنظام، وأولئك الذين أقسمت أنهم أعداؤها اللدودون، الحزب الديمقراطي من يسار الوسط.

فهل سيتمكن الائتلاف الجديد، بقيادة جوزيبي كونتي، الذي احتفظ برئاسة الوزراء، من السير في تعديل مؤلم للمالية العامة هذا الخريف، من دون إثارة خلاف مرير آخر مع الاتحاد الأوروبي؟ وإذا لم يتمكن الائتلاف الجديد من التماسك، فهل سيعود قريباً إلى السلطة حزب سالفيني، الذي يتمتع بشعبية في البلاد من خلال انتخابات جديدة؟.

وكانت حكومة كونتي السابقة، قد وصفت نفسها بـ «حكومة التغيير»، لكن خصومها نظروا إليها على أنها مجموعة خطيرة من الشعبويين المتهورين مالياً. ومن المرجح أن تعمل تركيبة حكومة «كونتي الثانية»، على تهدئة أعصاب الموجودين في بروكسل، الذين كانوا يخشون المزيد من المواجهات مع سالفيني.

وجاء تعيين روبرتو غوالتيري، وزيراً للاقتصاد، وهو عضو قديم عن الحزب الديمقراطي في البرلمان الأوروبي، ورئيس لجنة البرلمان للشؤون الاقتصادية والنقدية، بمثابة وضع رجل بروكسل المخضرم في منصب حساس، قبل طرح إيطاليا ميزانيتها السنوية هذا الخريف.

وعلى خلاف سلفه، فإنه لن يتعثر في كل خطوة بملاحقة سالفيني ومطارداته، بالرغم من احتمال تعرضه لانتقادات من شخصيات أكثر راديكالية في حركة «خمس نجوم».

لكن انتقال زعيم خمس نجوم، لويجي دي مايو، من نائب رئيس الوزراء إلى وزير للخارجية، أثار دهشة حلفاء إيطاليا الأوروبيين. ففي العام الماضي، تسبب دي مايو في أخطر أزمة دبلوماسية بين إيطاليا وفرنسا في التاريخ الحديث، إثر تأييده المتظاهرين من أصحاب «السترات الصفراء»، الأمر الذي دفع رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون إلى استدعاء سفيره من روما.

ما إذا كان سيختار السياسي البالغ من العمر 33 عاماً، التمسك هذه المرة بالأصول الدبلوماسية، فيبقى أن نرى.

وعلى الصعيد المحلي، شكل تعيين «تكنوقراطية» مستقلة، لوسيانا لامور غيسي، كبديل عن سالفيني في وزارة الداخلية علامة هامة على أن الحكومة تريد تهدئة الخطاب اليومي العاصف بشأن الهجرة. وعلى الصعيد الاقتصادي، أعرب المستثمرون في ديون إيطاليا الحكومية عن اعتقادهم بأن الحكومة الجديدة ستكون أقل تهديداً للاقتصاد من سابقتها.

ويعتقد العديد من المراقبين أن الحكومة الجديدة ستأخذ موقفاً أكثر توافقياً في التعامل مع بروكسل على قضايا مثل المالية العامة والهجرة. وقد عمل كونتي بالفعل كوسيط أكثر هدوءاً مع بروكسل العام الماضي، عندما كان سالفيني يطلق خطبه اللاذعة ضد التدخل الأوروبي في الميزانية الإيطالية. والآن مع تعيين غوالتيري وزيراً للاقتصاد، يبدو أن الحل الوسط التوافقي سيكون الاستراتيجية الجديدة.

وكانت مسودة البرنامج التي صدرت أخيراً بتفاصيل محدودة، لكنها أشارت إلى أن الائتلاف الجديد سوف يحاول سياسات اقتصادية شاملة اجتماعياً، مع إبقاء التركيز بقوة على الاستقرار المالي.

وأفادت الوثيقة أن الحكومة الجديدة ستشجع على سياسات مالية توسعية، لكن «من دون تقويض توازن المالية العامة». وسوف تحاول أيضاً تعزيز أجندة أوروبية تتغلب على «الصلابة المفرطة» لقواعد الاتحاد الأوروبي بشأن الميزانية، وتشجع «ليس فقط الاستقرار بل أيضاً النمو».

وتشمل مسودة السياسات حداً أدنى للأجور جديد، وخفضاً للضرائب على العمال، و«اتفاق أخضر جديد»، وإصلاحات لقواعد تضارب المصالح، وتعزيز استجابة أوروبية منسقة لإدارة الهجرة. وكان غائباً بشكل بارز دعوات سالفيني لـ «صدمة مالية»، من خلال تخفيضات ضريبية كبيرة على غرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وأخيراً، تمت تسمية رئيس الوزراء السابق عن الحزب الديمقراطي، باولو جينتيلوني، بالمفوض الإيطالي التالي إلى الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة تم اتخاذها كعلامة أخرى على أن الائتلاف الجديد يريد المزيد من علاقات التعاون مع بروكسل.

كم من الوقت يمكن أن تدوم الحكومة الجديدة، وما الذي يمكن أن يتسبب بسقوطها؟.

أدى العناق المفاجئ لحزبين كانا لسنوات أعداء لدودين، إلى تنبؤ كثيرين بأن الائتلاف لا يمكن أن يدوم لفترة طويلة. سيكون التحدي الأهم، تمرير ميزانية العام المقبل في فترة ركود اقتصادي، وإجراء تعديلات كافية لتفادي زيادة إلزامية في ضريبة القيمة المضافة. ويتعين على الحكومة أن تجد 23 مليار يورو من المدخرات أو الإيرادات الإضافية، لتجنب فرض زيادات ضريبية.

على هذا الأساس، قد يتعرض مصير السياسات الرئيسة لحركة «خمس نجوم» في التحالف السابق، مثل «دخل المواطنة»، للتهديد.

وهذا من شأنه أن يثير التوترات بين الطرفين. فأي تعديلات مؤلمة ستجبر الحكومة على اتخاذها في مجال الإنفاق، قد تثير رد فعل سياسي، ما يزيد خطر أن يقرر الحزبان الانقسام، بدلاً من المخاطرة بتحمل مسؤولية سياسات غير شعبية. ويبدو كلاهما يخشيان العودة إلى صناديق الاقتراع الآن، أكثر من تحمل مسؤولية اقتصاد في وضع صعب، لكن إذا تدهورت الأوضاع، فإن تلك الحسابات قد تتغير.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن «رابطة الشمال»، لا تزال أكثر الأحزاب شعبية في إيطاليا، حيث تحظى بتأييد يتجاوز نسبة 30 %، ولا يزال من المتوقع أن تكون الفائز في أي انتخابات مقبلة، فإذا فقدت الحكومة الجديدة الدعم بسرعة، عبر سياسات غير شعبية، أو انقسمت بسبب الخلافات، فإن سالفيني سيكون في الانتظار.

 

 

Email