مصر وبشائر السنوات الست

منذ 6 سنوات، كانت كل آمال وطموحات الشعب المصري تتركز في الحفاظ على الدولة المصرية من الانهيار، وتجنب نشوب حرب أهلية، ووقف مخطط تقسيم الدولة المصرية، بعد أن تتحول إلى دولة فاشلة ومسرح للاقتتال والصراعات الدولية عن طريق الوكلاء المحليين، كما كان مخططاً لها مثلما حدث في سوريا واليمن وليبيا ونجح واستمر حتى الآن.

الآن وبعد 6 سنوات تغير المشهد في مصر تماماً، فهي تقف الآن وسط الكبار في قمة العشرين التي تضم أكبر 20 دولة من حيث المعايير الاقتصادية (الناتج المحلي الإجمالي) إلى جانب الاتحاد الأوروبي.

تقف مصر وسط هؤلاء العمالقة رغم أنها ليست عضواً في هذه المجموعة، إلا أن دعوتها تأتى تقديراً لمكانتها ودورها الإقليمي والعالمي، مصر هي رئيس الاتحاد الأفريقي، وهي أيضاً الدولة المحورية الأبرز في الشرق الأوسط التي تتجمع لديها الكثير من الخيوط في كل القضايا الدولية، بالإضافة إلى علاقتها المتميزة باليابان، ودول مجموعة العشرين على المستوى الثنائي أو الجماعي.

حضور مصر قمة العشرين يأتي أيضاً في إطار نجاح برنامج مصر الاقتصادي وفقاً لكل تقديرات المؤسسات الاقتصادية العالمية المتخصصة في هذا الشأن، حيث نجحت مصر في رصد استثمارات ضخمة، كما انخفضت نسبة الدين للناتج المحلي وأيضاً ارتفع صافي الاحتياطيات النقدية بالبنك المركزي.

في يونيو 2013 كان الانهيار في قطاع البترول والطاقة قد وصل إلى مشهد مأساوي، وكان الحديث لا ينقطع عن أزمات الكهرباء والغاز واسطوانات البوتاجاز، فلا يكاد يمر يوم إلا وتنقطع فيه الكهرباء لساعات عدة، ولا يستثنى مدينة أو منطقة من ذلك الانقطاع بما فيها مناطق العاصمة المختلفة.

أما حروب اسطوانات البوتاجاز فقد كانت هي «الشغل الشاغل» لجموع المواطنين، وقد بدأت الدولة في ضخ استثمارات هائلة بهذا القطاع الحيوي، حيث تم رصد استثمارات ضخمة لقطاع البترول خلال الفترة منذ 2014 حتى الآن.

نجحت مصر في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز بعد زيادة الإنتاج إلى 61.9 مليون طن، ومن المستهدف زيادة صادرات الغاز إلى 12 مليون طن خلال المرحلة المقبلة.

ما حدث خلال السنوات الست الماضية إنجاز حقيقي بكل المقاييس، وبعد أن كانت مصر قاب قوسين أو أدنى من الانهيار والضياع، عادت مصر إلى مكانتها، وأصبحت تجلس وسط الكبار في اليابان اعترافاً منهم بما تحقق خلال السنوات الماضية، فالكبار في العالم لا يجاملون، ولو لم تكن مصر في مكانها ومكانتها الآن لم يكن من الممكن أن تتم دعوتها ضمن اجتماعات مجموعة العشرين بعد المشاركة الأولى لها في الصين عام 2016 في القمة التي عقدت في مدينة هانجتشو الصينية بدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينج التي استضافت بلاده القمة آنذاك.

سياسة مصر الخارجية كان لها دور مهم أيضاً خلال السنوات الست الماضية، حيث انتهجت مصر سياسة التوازن في علاقاتها الدولية، وفي الوقت الذي ظلت تحتفظ فيه بعلاقات استراتيجية مع أمريكا، فقد نجحت في إقامة علاقات استراتيجية أيضاً بالصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، واليابان، كما عادت من جديد بقوة إلى محيطها الإفريقي والعربي، وهي الآن ترأس الاتحاد الإفريقي بعد أن كانت عضويتها مجمدة فيه، فتتبنى علاقات استراتيجية مع عالمها العربي والإفريقي على اعتبار أن تلك العلاقات جزء من أمنها القومي.

المشهد في 30 يونيو 2019 في مصر مختلف تماماً، فها هي مصر تعود بقوة، وتقطع خطوات ضخمة في مجال الإصلاح الاقتصادي، ولأول مرة يستطيع الجنيه المصري استعادة جزء مما فقده أمام الدولار، ويقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وسط الكبار في مجموعة العشرين للمرة الثانية خلال 3 سنوات في مشهد يؤكد تعافي مصر من الوعكة التي ألمت بها والتي كان من الممكن أن تؤدي ـ لا قدر الله ـ إلى ضياعها إلى الأبد.

ـــ رئيس مجلس إدارة «الأهرام»