مصر الإرادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تابع العالم، بأسره تقريباً، دورة الأمم الإفريقية لكرة القدم، التي افتتحت في مصر منذ أيام قليلة، وتوقفت كبريات الصحف العالمية أمام صورة مصر الحقيقية، كما أكدها الواقع وتحت سمع وبصر الجميع، العدو والصديق. أحياناً يكون الكلام، حتى وهو صادق، غير مقنع، أو لنقل الحقيقة، يخضع للتشويه والتشكيك وفق المخطط المعادي للمحروسة.. فقد ذكرت وسائل إعلام معروفة بعدائها لمصر، ولقيادتها وشعبها، أن مصر غير آمنة، بسبب وفاة الرئيس المعزول محمد مرسي، واحتمال وقوع حوادث إرهابية انتقاماً لوفاة الرجل وكأنه لم يكن مثل بقية عباد الله الذين يأتيهم الأجل لا محالة وأن البشرية لم تشهد منذ آدم، شخصاً لم تنته حياته بالموت..

وباختصار كان هناك أكثر من سبب لمتابعة الحدث المهم، والذي أكد أن مصر مختلفة تماماً عن تلك التي «تمناها البعض» ويروج لادعاءاته وأوهامه، وكما يقول المثل الدارج، «الميه تكدب الغطاس». نظرياً فحسب، وإنما هي كذبته بالفعل! كان مشهد الافتتاح مبهراً وعلى أرقى مستوى، ماثلاً أمام الكاميرات والأقمار الصناعية، وكل وسائل المتابعة.

وقد كان التنظيم الراقي والدقيق، هو الرد الذي لا رد بعده على كل مشكك في قدرة المصريين، وكيف يمكن أن يشكك أحد عاقل في بناة الأهرام والسد العالي؟ وبعد الفوز الذي حققه الفريق المصري وتأهله عن جدارة للدور التالي من النهائيات، غمرت الفرحة القلوب بصورة تستوجب التسجيل، لأنها جاءت في ظروف شديدة الصعوبة، عانينا خلالها، ولكن إرادتنا لم تنكسر، كما تمنى أعداء الداخل والخارج ووسط متابعة عالمية تكاد تحصي أنفاس المصريين. وتتوالى الأسئلة، ممن لا يعرفون مصر ولا شعبها، كيف تمكن المصريون من إعداد ملاعب المباريات بهذا الجمال وبهذه الدقة الحرفية الرفيعة في مدة لا تتجاوز خمسة أشهر؟ لدي يقين بحكم تجربتي الحياتية الطويلة، أننا قادرون على صناعة المعجزات إذا كنا تحت قيادة وطنية تؤمن بأن وطننا فوق كل شيء.

ولن أنسى ما حييت كلمة السر التي فتحت القلوب وكذلك العقول للرجل الذي قال: إن الإرادة المصرية لن تعلو عليها إرادة أخرى.. ولا بد من التوقف هنا لمحاسبة المسؤولين، خاصة في المحليات لقد قرأنا وسمعنا عن دفع المليارات لشركات نظافة أجنبية ولم تتم نظافة شارع واحد، بل تفاقمت كارثة القمامة إلى حد يفوق أي تصور، وسط شبه تجاهل من جانب هؤلاء.. إن النظافة من الإيمان، كما نعرف جميعاً، ولن نعود للتذكير بأهمية تدوير القمامة وفوائدها على أكثر من صعيد، ولكن من حقنا أن نعيش في مصر التي شاهدناها في افتتاح دورة كأس الأمم الإفريقية، حيث عادت مصر إلى مكانها ومكانتها، وأثبتت للعالم بأسره أنها جديرة بتولي المسؤوليات التي تعهد إليها، كما أنها قادرة على صنع المعجزات عندما يكون الجسر بين شعبها وقيادته، خالياً من أية عوائق..

نحن نطالب بأن يكون افتتاح وإقامة مباريات كأس الأمم الإفريقية في المحروسة، إيذاناً بعهد جديد، تعود فيه القاهرة إلى واحدة، من أجمل مدن العالم.. الفرحة بهذه الدورة تفتح باب الأمل والثقة بأن مصر تستطيع، وتستطيع تماماً بإرادة شعبها وقيادته، ويبدو أن شهر يونيو سيكون دائماً بشرة خير، حيث حل يوم الثلاثين منه وهو يوم أعظم ثورة في تاريخ البشرية والتي شارك فيها ما بين خمسة وثلاثين وأربعين مليون مواطن مصري، رفض مخطط تدمير مصر أو على أحسن تقدير، تقزيمها. مصر عملاقة على مر التاريخ، وكبواتها عابرة.

 

ـــ كاتبة مصرية

Email