محور الاستقرار

ت + ت - الحجم الطبيعي

التحركات السريعة التي تشهدها القاهرة، أبوظبي، الرياض تجاه الخرطوم وطرابلس تؤكد أن هذه العواصم الثلاث نجحت بقوة في أن تشكل محوراً للاستقرار في مواجهة محور الشر الذي يهدد المنطقة والإقليم.هذه التحركات مثلت ثلاثة روافع سياسية تشير إلى أن الحفاظ على استقرار الدول بمثابة خط أحمر.

فقد قالت القاهرة كلمتها الأيام الماضية بوضوح وقوة في قمتين تشاوريتين برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي حول كل من السودان وليبيا.

وفيما يتعلق بالأوضاع السودانية جاءت الرسالة واضحة بشأن ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة وتماسك السودان وسلامة أراضيه، وأن هناك حاجة عاجلة لقيام السلطات السودانية والقوى السياسية بالتعاون معاً لمعالجة الأوضاع الحالية وسرعة استعادة النظام الدستوري عبر حوار سياسي ديمقراطي يملكه ويقوده السودانيون أنفسهم يشمل جميع الأطراف السودانية هذا فضلاً عن التأكيد على دور الاتحاد الإفريقي ومنظمة «الإيجاد» ودول الجوار لتقديم كافة الدعم والمساندة لجهود السودان حتى يتجاوز التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي يواجهها، وحث المجتمع الدولي على ضرورة تخفيف الديون التي تحاصر مؤسسات الدولة السودانية.

في السياق ذاته، جاءت القمة التشاورية الأخرى لترسم مسارات جديدة للخروج من الأزمة الليبية وإحياء العملية السياسية بها من خلال قيادة مصر لتوافق أفريقي يرتكز على دعم جهود مكافحة الإرهاب والجماعات والميليشيات المتطرفة لتحقيق الأمن والاستقرار للمواطن الليبي في كافة أراضيه، وحماية الدولة من المخاطر والتدخلات الخارجية، وذلك يتطلب تمكين قوات الجيش الليبي والشرطة المدنية من أداء واجبها للحفاظ على النظام والاستقرار والوصول إلى انتخابات نزيهة يتمثل فيها جميع الطوائف السياسية الوطنية الليبية.

هذا الجهد الإفريقي بقيادة مصر يتواكب ويتكامل مع الجهد الإماراتي والسعودي لتحقيق نفس الأهداف التي تتعلق بضرورة الاستقرار في السودان وليبيا.

فمنذ اللحظة الأولى سارعت القيادة في الدولتين بالالتفاف حول الشعبين السوداني والليبي لتقديم كافة الدعم المالي والسياسي لمنع موجات الفوضى والتخريب والحفاظ على مؤسسات الدولتين، وقدم قادة الإمارات والسعودية حزمة من المساعدات المشتركة للسودان تقدر بحوالي 3 مليارات دولار منها 500 مليون دولار كوديعة للبنك المركزي السوداني لتقوية مركزة المالي.

يتزامن مع هذا الدعم المالي دعم سياسي آخر فقد شهدت الخرطوم عدة لقاءات مع عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري السوداني لتؤكد الدول الثلاث وقوفها ومساندتها للشعب السوداني للخروج من حالة التأزيم، وصولاً إلى حالة اليقين السياسي والمجتمعي وحماية الدولة من الانهيار والسقوط.

الملاحظ أيضاً أن الموقف الإماراتي والسعودي يأتي مواكباً تماماً للموقف المصري تجاه الأوضاع في ليبيا إذ إن المواقف لهذه الدول الثلاث تؤكد وحدة الهدف والوسيلة للحفاظ على المصير المشترك بالمنطقة في ظل وجود محور آخر تقوده قطر وتركيا والتنظيم الدولي للإخوان، ويهدف إلى خلق مساحات واسعة من التوتر والقلق وتأليب الشعوب وتزييف الرأي العام وإثارة البلبلة في المجتمعات المستقرة لتنفيذ أجندتها الداعمة للإرهاب والهادفة إلي تمزيق جغرافيا المنطقة وتكرار تجارب العواصم العربية التي سقطت في وحل الفوضى ولم تنج منه حتى الآن، وتأتي الخرطوم وطرابلس ضمن الأهداف الاستراتيجية لمحور الشر كبوابة ربما يتوهم قادة هذا المحور أنه من الممكن أن يتسلل من خلالها إلى الدول المركزية المستقرة.

وهنا علينا التوقف أمام تحد كبير يعيشه الإقليم يتطلب دعم الشعوب العربية لمحور الاستقرار حتى لا نترك عواصمنا العربية فريسة لمراهنات دولية وإقليمية أو هدفاً ثميناً لميليشيات وتنظيمات إرهابية. فقد بات علينا الاستفادة من دروس الماضي حتى لا نفشل في اختيارات المستقبل.

 

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

 

Email