القاهرة وواشنطن.. تطابق وليس تحالفاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بجولة خارجية فزار عدداً من الدول الإفريقية، كما زار الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أجرى مباحثات مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، وقد أثارت زيارة الرئيس لواشنطن ردود فعل عدة نظراً لدقة الظروف التي تمت فيها، وخاصة الإجراءات الأخيرة التي أقدم عليها الرئيس ترامب، والتي هي بمثابة انتهاك صارخ للقانون الدولي والشرعية الدولية.

ناهيك عن الحقوق التاريخية للشعوب أصحاب الحق، وأعني بها، الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل وبسيادة تل أبيب على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وانبرى جميع محللي الغبرة في ترويج قدر ما يمكنهم من أكاذيب وافتراءات ضد مصر وقيادتها، بربط كل هذه الموضوعات بما يسمى «صفقة القرن»، وعلى أساس أن رحلة السيسي كان هدفها «الأوحد والأهم» هو تصديقه على صفقة القرن التي لا أحد يعرف بدقة معالمها ولا أبعادها حتى الآن.. واستغل هؤلاء الإشارة إلى التحالف الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن وتأكيد الرئيسين، السيسي وترامب، على متانته وأنه في أحسن حال..

والغريب أن أحداً من هؤلاء المنظرين الكبار، لم يذكر بالخط الذي انتهجه الرئيس السيسي، عبر كل المناصب التي تقلدها، حتى قبل رئاسته للجمهورية، وأعتقد أن إغفال هذه المواقف، ليس بريئاً، حيث إن الإشارة، مثلاً، إلى تصديه لخطة الإخوان المسلمين بتمكين حركة حماس من شراء أراض في سيناء، أو محاولتهم «تأجير قناة السويس» إلى قطر، تزيل أي ذرة شك في حرص الرجل على كل حبة رمل من أرض سيناء أو غيرها..

ولا أعتقد أنه لم تصل إلى علمهم عبارة السيسي القائلة: إن الإرادة المصرية لن تعلو عليها إرادة أخرى! ولا يطوف بذهن أي مصري متابع، مجرد ظل احتمال بأن يغير الرئيس موقفه استجابة لضغط ترامب.. فالرئيس الأمريكي يعرف أو من المؤكد أن كبار المسؤولين في إدارته، أطلعوه بأن السيسي يتمتع بشعبية كاسحة وأن قوته تكمن في الثقة التامة التي أولاها له هذا الشعب، وهذا هو تحديداً، سر كونه يضع المصلحة المصرية فوق أية اعتبارات أخرى.

وكلنا نعرف، ولكن بعضنا للأسف ينسى، إذا افترضنا حسن النية، أن الرئيس السيسي أعلن من منبر الأمم المتحدة أهمية القضية الفلسطينية للعرب جميعاً وأولهم مصر. أيضاً أدان السيسي قرار ترامب بمنح إسرائيل هضبة الجولان، وهو أمر يعرفه ترامب وإدارته جيداً.

وحسب كل خطوات الرئيس السيسي يتجلى بوضوح أنه يضع خطاً فاصلاً واضحاً بين «التحالف الاستراتيجي» الذي أورثتنا إياه اتفاقيات كامب ديفيد، وبين «تطابق» مواقف مصر مع مواقف واشنطن، أو عدم الخروج عن الخط الأمريكي الذي يدّعي المغرضون إننا نلتزم به، سمعاً وطاعة!!، وإلا فكيف قام السيسي بفتح كل النوافذ المغلقة والخروج من الدائرة التي ظلت مصر حبيستها عقوداً، فقام بزيارات لفرنسا وإيطاليا والصين وروسيا، وعقد صفقات أسلحة ليست على هوى أمريكا بالتأكيد، وكذلك بالعودة إلى القارة الإفريقية التي تربطنا بها وشائج الأخوة والتعاون المثمر.

وكالعادة ركزت بعض الصحف الأجنبية على إثارة مسألة حقوق الإنسان، والأكيد أن الرئيس أجابهم بالعبارات نفسها التي أطلقها لدى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر.. وأتمنى أن يولي إعلامنا اهتماماً أكبر لتفنيد كل محاولات التشكيك التي يقوم بها المغرضون، والتذكير بأن السيسي رئيس منتخب ديمقراطياً لأكبر دولة عربية، ودولة محورية، ليس فقط في الإقليم، بل في العالم أجمع.. ومن ثم فهي تضع خطوطاً فاصلة، بين التحالف، فيما يمكن التحالف بصدده، وبين التطابق بإملاءات خارجية، أياً كان الطرف الخارجي وأياً كانت قوته، لأن القوة الحقيقية والتي يستحيل أن يهزمها أحد، هي قوة الدولة وثقتها في شعبها وقدراته على مواجهة أشرس أنواع التحدي والانتصار عليها، وهو ما يدركه السيسي تماماً.

 

 

Email