خريف الحرس الثوري

ت + ت - الحجم الطبيعي

التاريخ دائماً يكتب المفارقات.

عندما غادر الشاه محمد رضا بهلوي إيران إلى المنفى يوم 16 يناير عام 1979 لم يكن يعلم أن هناك رئيساً أمريكياً في العام 2019 سيقتص له ممن عزلوه.

دونالد ترامب أصدر الأيام الماضية قراراً بإدراج الحرس الثوري الإيراني ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية.

القرار أصاب الحرس في مقتل، بل إنه أربك حسابات إيران التي صارت بين شقي رحى. شق تطبيق العقوبات الأمريكية، وشق حظر كيان الحرس الثوري كأول جيش دولة في التاريخ يصنف كمنظمة إرهابية.

بهذا القرار يبعث الرئيس الأمريكي إلى طهران رسالة بعنوان: «دعمك للإرهاب سيكون له تداعيات خطيرة ونتائج وخيمة»، فضلاً عن أن هذا القرار يؤكد أن واشنطن تفتح صدرها لطهران، وتعلن تصعيدها بلا حدود في الفترات المقبلة ضد الملالي ورجاله.

الملف الأمريكي الإيراني يزداد تشابكاً وتعقيداً. بلاد العم سام تحاول تركيع النفوذ الإيراني، وتتهمه بأنه أكبر داعم دولي للإرهاب، وتحمّله مسؤولية زعزعة الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط.

صدى القرار سيتسع الأيام المقبلة. ثمة غيوم في الأفق تنبئ بتصاعد وشيك بين الطرفين.

بيان أصدره 255 من نواب البرلمان الإيراني قالوا فيه إنهم سيردون بالمثل على أية إجراءات تتخذ ضدهم، وأن زعماء أمريكا سيندمون على هذا التصرف تجاه الحرس الثوري.

في الوقت نفسه، يواصل وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو -الذي أشرف على «طهي» القرار في مطبخ الخارجية الأمريكية - تحذيراته لجميع الشركات والمصارف حول العالم من جراء التعامل مع الحرس الثوري الإيراني، وأن من يثبت تورطه في تعاملات مع الحرس الثوري ستتم معاملته بالمثل ككيان إرهابي.

إذاً أولى الخسائر هي الضربة القاسمة لاقتصاد الحرس الثوري، لاسيما أنه يسيطر على أكثر من ثلث الاقتصاد الإيراني متمثلاً في البنوك والشركات والمؤسسات والصناديق وغيرها من المشروعات الرئيسية.

ثاني هذه الخسائر هو خلق حالة انسداد سياسي في شرايين وقنوات التواصل بين عناصر الحرس ووكلائهم في العواصم العربية، خاصة أن الدراسات طوال الفترة الماضية داخل مطبخ الخارجية الأمريكية تؤكد تورط الحرس الثوري في العديد من العمليات الإرهابية، وأن الأمر لا يقتصر فقط على الدعم والتمويل بل يصل إلى التنفيذ أيضاً.

ثالث هذه الخسائر أيضاً هو تقليص ومحاصرة الضخ المالي المستمر في خزائن الحرس الثوري، الأمر الذي يقوده إلى أزمات مالية كبيرة تؤثر لا شك على تحركاته في المنطقة.

رابع الخسائر وهو الأهم أن إدراج الحرس على قوائم الإرهاب سيضعف النظام الإيراني نفسه، وخاصة أن الحرس بمثابة الذراع الأمنية الأقوى للنظام، وأن مهمته الرئيسية هي حماية النظام من الشعب، وبالتالي فإن ارتدادات هذا القرار ستفتح الباب بحرية أكبر أمام تحرك الشارع الإيراني الذي يعاني من حزمة مشاكل اقتصادية متراكمة وخلافات باتت جوهرية مع نظام الملالي.

أيضاً تأتي خامس هذه الخسائر من نصيب المرشد الأعلى، فلا شك أن الضربات والاهتزازات التي يمر بها الحرس سيكون لها ظلال قاتمة على صورة المرشد أمام الرأي العام الإيراني، وخاصة أن الحرس الثوري يخضع للتوجيه المباشر من المرشد الأعلى.

اللافت بعد هذه الخسائر التي تصيب الحرس الثوري هو أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يكن بمثابة ضربة موجعة فقط، بل إنه بمثابة خريف للحرس الذي دام أربعين عاماً يتورط ويدعم ويموّل العديد من التنظيمات والميليشيات، فضلاً عن أنه ظل طوال هذه السنوات منصة إيران الرئيسية تداعب من خلالها الحلم الفارسي في المنطقة.

Email