نوبة «صحيان» في جامعة الدول العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل تشهد اجتماعات القمة العربية، التي تنعقد في تونس اليوم، نوبة صحيان وإفاقة عاجلة كي تستطيع مواجهة التحديات العديدة التي تواجه العالم العربي الآن؟

كلمة أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، التي ألقاها خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماع وزراء الخارجية التحضيري، أول من أمس، أكدت وعي الجامعة بحجم الأزمات التي تواجه العالم العربي الآن، حينما أشار إلى أن القمة تنطلق وسط أزمات عديدة تواجه المنطقة وصراعات أنهكت الشعوب، وقلق لدى الرأي العام العربي نتيجة التفسخ والتفكك الذي ضرب بعض الدول العربية، فضلاً عن التربص والانقضاض من بعض القوى الإقليمية عند التعامل مع القضايا العربية.

منذ عشر سنوات تقريباً لم يكن لدى العرب سوى قضية واحدة هي قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي وتطوراتها وأزماتها وما يرتبط بها، أما الآن فقد ازدادت المشكلات والهموم لتنضم ليبيا واليمن وسوريا إلى قائمة الهموم العربية، ثم جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليعمق جراح الأمة العربية باعترافه أولاً بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم أخيراً وخلال الأسبوع الماضي، اعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان في مشهد تاريخي نادر الحدوث يذكرنا بوعد «بلفور» الشهير بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

من الظلم أن نلقي بكل الهموم على أجندة القمة العربية اليوم، لأن تداعيات سنوات لا يمكن حلها بين يوم وليلة، ولكن على الأقل لا بدّ أن تكون هناك رؤية موضوعية لمواجهة أزمات المنطقة العربية، وأتصور أن أخطر الأزمات التي تواجه العالم العربي الآن هو خطر تفكيك الدول العربية وانهيارها كما حدث في ليبيا واليمن وسوريا.

الموقف في ليبيا الآن يحتاج إلى رؤية عربية موحدة لدعم وحدة أراضي ليبيا، ودعم الجيش الليبي، وتوحيد القوي الأمنية تحت رايته، وتوفير كل الدعم العربي مادياً ومعنوياً لرفع الحصار عن الجيش الليبي، لدعم نجاحاته التي حققها أخيراً بالانتشار في الجنوب، والسيطرة على مناطق استخراج النفط.

انتشال ليبيا من حالة الفوضى والانقسام التي تعانيها الآن يعني ببساطة عودة ليبيا دولة قوية موحدة تشارك بفاعلية في حل مشكلات العالم العربي، كما كانت من قبل.

ليبيا دولة غنية بمواردها النفطية، وهي أيضاً لا تعاني الانقسام المذهبي أو الطائفي، لكن هناك من لا يريد عودة ليبيا، ويرغب في استمرارها بهذا الشكل لتكون بؤرة لتجميع الإرهابيين والفارين من «داعش» و«القاعدة»، وهو الوضع غير المقبول تماماً لأنه يمثل تهديداً خطيراً للدول المجاورة، خاصة مصر وتونس والجزائر والسودان.

اتفاق القمة العربية على رؤية موحدة تجاه ليبيا سيدعم الجهود التي تتبناها مصر لحل الأزمة الليبية بما يتفق والحفاظ على وحدة ليبيا، وتوحيد الجيش الليبي، والقضاء على كل الجماعات المسلحة غير الشرعية التي تعمل على زعزعة الاستقرار والأمن هناك.

الوضع في سوريا لا يختلف كثيراً عن ليبيا، فلا تزال سوريا ـ رغم كل النجاحات الكبيرة التي تحققت هناك، وهزيمة داعش وسقوط آخر معاقله ـ تعاني الانقسام والتشرذم وانقسام السيادة بين مجموعات مختلفة على الأراضي السورية، وهو ما يجب أن ينتهي تماماً لتعود الدولة السورية دولة موحدة كما كانت دائماً وأبداً على مرّ التاريخ.

أيضاً، فإن اليمن يحتاج هو الآخر إلى رؤية موحدة من جامعة الدول العربية لدعم دول التحالف العربي في مهمتها لإعادة الاستقرار والأمن هناك وتمكين الحكومة الشرعية من مد مظلة نفوذها إلى كامل الأراضي اليمنية من خلال دعم المسار السياسي للحل الذي تتبناه الأمم المتحدة، ووضع تصور شامل لمستقبل اليمن يضع في الاعتبار عدم التزام قوات الانقلاب علي الشرعية بزعامة الحوثيين بتعهدات الحل السياسي لاستمرارها في التجاوزات ضد رؤية الحل الأممي للأزمة اليمنية.

الحوثيون لا يشغلهم حجم المعاناة الإنسانية الرهيبة التي يعيشها مواطنو المناطق التي يسيطرون عليها، وكل ما يشغلهم استمرار الحرب والنزاع، بل إنهم يقومون بالاستيلاء على المساعدات الإنسانية التي تصل إلى تلك المناطق للاتجار فيها واستخدامها في دعم الميليشيا التابعة لهم.

الدعم العربي القوي والصريح لقوات التحالف سيجبر الحوثيين على الالتزام بالحل السياسي، لأنهم لن يقبلوا به إلا إذا كانت هناك قوى على الأرض تجبرهم على ذلك، لأنهم يعملون وفق أجندات إيران، ويأخذون الأهالي رهائن ودروعاً بشرية لاستمرار احتفاظهم بالمناطق التي يسيطرون عليها.

إنقاذ اليمن من الانقلاب الحوثي خطوة مهمة وأساسية لإعادة الاستقرار إلى منطقة الخليج العربي، لأنه من دون ذلك سيظل اليمن كالجرح النازف في جسد الأمة العربية كلها، وهو ما تريده القوى المتربصة بالعالم العربي ليظل الوطن العربي في حالة من «الارتباك والفوضي» ومشغولاً بهمومه ومشكلاته الداخلية بعيداً عن التحديات الرئيسية لتحرير الأراضي العربية المحتلة وفق مقررات الشرعية الدولية الصادرة من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة التي أكدت جميعها ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس الشرقية والجولان.

الأمر المؤكد أن القمة العربية لن تستطيع وضع الحلول السحرية اليوم لكل تلك المشكلات أو غيرها من مشكلات الأمة العربية، لكنها تستطيع أن تقدم روشتة تتضمن خطوات محددة ورؤية موضوعية للخروج من تلك المشكلات، بعد أن أصبح الخطر قريباً جداً من كل الدول العربية بلا استثناء، فهل تنجح الجامعة العربية في ذلك؟!

* كاتب ومحلل سياسي

Email