إنجاز صيني في غزو القمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

نجح المسبار القمري الصيني «تشانغ أه-4» مؤخراً في الهبوط على الجانب المظلم من القمر برغم فترة الانتظار الصعبة، مما يمثل لحظة رائدة في استكشاف القمر.

ولا يظهر هذا الجانب أبداً من الأرض، لأن القمر يدور حول نفسه بنفس معدل دورانه حول الأرض، ولم يسبق لأي إنسان أو روبوت أن غامر في الهبوط في هذا المكان. وأثنت وسائل الإعلام الدولية على هذه المهمة الناجحة واصفة إياها بأنها «علامة فارقة» و«قفزة بشرية عملاقة لاستكشاف الفضاء».

كما رحب جيم برينديشتين مدير ناسا بعملية الهبوط ووصفها بأنها «إنجاز رائع».

لكن هذه الاحتفالات تأتي مع شيء من الريبة. فهل تهدف الصين إلى الريادة في «سباق الفضاء»؟ وهل انفراج الصين بشأن استكشاف الفضاء مدفوع بالرغبة في «الهيمنة العسكرية على الفضاء»؟ هذه المخاوف غير ضرورية إذا ألقينا نظرة سريعة على تاريخ تطوير علوم الفضاء في الصين. وكدولة كانت متأخرة في تكنولوجيا الفضاء، تعرف الصين أكثر من أي شخص قيمة الاعتماد على الذات والتعاون.

في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، بدأت الصين في إجراء البحوث المتعلقة في الأقمار الاصطناعية التي تستشعر عن بُعد من نوع وترسل الصور في الوقت الفعلي. لقد أتقنت الولايات المتحدة وأوروبا هذه التكنولوجيا، لكنهما لم يرغبا في التعاون مع بكين في هذا الأمر. إلا أن الصين وجدت دولة نامية أخرى كشريك لها، وهي البرازيل.

وتم توقيع اتفاقية إنشاء البحوث المشتركة وإنتاج الأقمار الاصطناعية الصينية البرازيلية في عام 1988. وأفاد هذا التعاون كلا البلدين ووفر لهما مزايا كبيرة. فقد تغلب العلماء من كلا البلدين على تحديات حواجز المسافات الطويلة واللغات، وأطلق القمر الصناعي الأول «CBERS-1» بنجاح في عام 1999، وهو أول قمر يتم تطويره بشكل مشترك من قبل الصين وبلد آخر.

ويتم حالياً توفير البيانات التي يجري الحصول عليها من الأقمار الاصطناعية إلى دول العالم الثالث مجاناً، وقدمت بيانات الاستشعار عن بعد لرصد الكوارث في العديد من المناسبات.

وجرت مشاركة واسعة مع المجتمع الدولي في المجال الفضائي. فتم الحصول على مقياس الجرعات من ألمانيا؛ وكاشف النيوترونات من السويد وعدد من الأدوات الأخرى من المملكة العربية السعودية وكذلك هولندا. ويوجد دعم من وكالة الفضاء الأوروبية.

وتتعاون الصين مع وكالة ناسا على استخدام القمر المداري الاستطلاعي من وكالة ناسا الفضائية الأمريكية لمراقبة التغيرات التي تطرأ على عملية الهبوط. لذلك هناك تعاون وثيق مع المجتمع الدولي، ويؤمل أن يؤدي ذلك إلى عوائد علمية مثمرة للغاية.

وقد أعلن تشانغ كيجيان، نائب وزير الصناعة وتكنولوجيا المعلومات في الصين، أن بعثة «تشانغ أه -6»، وهي عينة ثانية من البعثة الصينية للعودة إلى القمر، سوف «توفر 10 كيلوغرامات من الحمولات على المركبة المدارية والهبوط للشركاء الدوليين». ودعا جميع أعضاء الأمم المتحدة إلى الاستخدام المشترك لمحطة الفضاء الصينية في المستقبل.

وتدرك الصين أن التعاون والتبادل الدولي للمعلومات ضروري لاستكشاف الفضاء. ويتعين على البلدان المشاركة التشاور مع تواتر إرسال الأقمار الاصطناعية وتخصيص الموارد المدارية وصياغة قواعد المرور في الفضاء الخارجي. فالعقلية الجامدة لا تعمل على الأرض، ولن تعمل في الفضاء.

ويجب الاحتفال بآفاق علمية جديدة في أي مجال باحترام كبير، حيث يخترق العلماء حدود المعرفة البشرية. يتطلب الأمر عملاً شاقًا للغاية وتعاوناً معمقاً بين مختلف البلدان، خاصة عند استكشاف الفضاء المليء بالأسرار والتحديات.

وعندما يتعلق الأمر باستكشاف الفضاء، فإن الموضوع يتعلق برفاهية جميع البشر، ولا ينبغي تقييمه من منظور قومي قصير المدى. ويعود سبب تحمس العالم كله بشأن هبوط المسبار القمري الصيني على الجانب المظلم من القمر هو أنهم يشتركون في التعطش نفسه لمعرفة المجهول واستكشاف آفاقه بهدف حل لغز الكون، فكوكبنا يحتاج إلى تعاون أوثق بدون أي خصومة أو تنافس سلبي.

* خبير في إدارة الفضاء الصينية

 

Email