عندما تتحول «المدرسة» إلى بؤرة إرهابية

ت + ت - الحجم الطبيعي

اهتم الإسلام منذ بداية ظهوره بالعلم حيث كانت أول كلمة نزلت على نبينا الكريم هي «اقرأ»، الأمر الذي جعل من القراءة أداة من أدوات توسيع المدارك وفهم الآخر والتعرف على ثقافته.

فمن إرادة الخالق عز وجل أن خلق البشر ألواناً متعددة وأطيافاً مختلفة وثقافات متنوعة وطبقات اجتماعية متباينة.

وكانت مهمة الأديان السماوية جميعها هي إكمال بعضها البعض ونقل رسالة الخالق القائمة على المحبة والتسامح والتعاطف الإنساني للبشر جميعا على اعتبار أنهم أخوة في الإنسانية.

وقد ضمن الله سبحانه وتعالى الأديان السماوية رسالته للبشر القائمة على المحبة والعمل الصالح حتى يكون التعايش على الأرض وعمرانها أهم وظيفة لبني الإنسان.

فبدون التكامل والتعايش بين أفراد المجتمع الواحد وفهم بعضهم لبعض وتقبل الاختلاف لا يمكن للجماعة أن تعيش على بقعة الأرض وتعمرها. ومن منن الله علينا العلم الذي يعد أهم منة سماوية لبني البشر، حيث فرق الله تعالي بين المتعلم والجاهل، وجعل مكانة المتعلم أفضل من الجاهل وضرب به الأمثال.

ومنذ بدايات الإسلام اهتم ولاة الأمر والأمراء والحكام في مختلف العصور بالعلم وبيوته، واعتبرت المدرسة مكاناً مباركاً له قيمة عالية، حيث ألحقت في مختلف الحقب الإسلامية بالمساجد.

كما كانت دور العبادة أحياناً تحول إلى مدارس لتلقي، ليس فقط العلوم الدينية، بل والدنيوية أيضاً كالأزهر الشريف مثلاً. وكانت وظيفة تلك المدارس ليس فقط نشر العلوم الدينية بل ونشر الفكر الإسلامي التنويري والقيم الإسلامية القائمة على المحبة والتسامح.

ونظراً لتشجيع الإسلام إعمال العقل والحوار، فقد ظهرت العديد من المدارس الفكرية الإسلامية وتبلور فكر إسلامي رائد خاصة في فترات الازدهار. ولكن في فترة الاضمحلال تضاءل دور المدارس الفكرية في النهضة الفكرية حينما تنافست فيما بينها لكسب الأتباع والنفوذ.

فكانت النتيجة أن ضاقت مساحة الحوار وشكك البعض في صدقية الآخر، بل وكفر بعضها الآخر. ضيق مساحة الحوار بين المدارس الفكرية وعدم تقبل الاختلاف أدى بالنتيجة إلى ظهور التوتر بين تلك المدارس وإلى شحن النفوس وإلى ظهور العداء بين الأتباع، والأمر تطور عبر العصور إلى نزاعات مسلحة. في خضم كل المتغيرات الفكرية والسياسية كان للمدرسة دور كبير تؤديه في هذا السباق الأيديولوجي.

فقد تطور دور المدرسة ووظيفتها كما تطورت مناهجها والأفكار التي تفرخها حتى أصبحت كلمة «مدرسة» تطلق في بعض الأحيان على فكر أو منهج تفكيري معين. وهكذا أصبحت المدارس عبارة عن موصل مهم ليس فقط للعلم والمعرفة بل والتأثير الأيديولوجي أيضاً.

وعلى الرغم من أن «المدرسة» و«الإرهاب» كلمتان لا يمكن أن يلتقيا على هدف واحد، إلا أن المدرسة قد أصبحت في بعض الدول الإسلامية، مرادفة للتطرف ونشر الفكر المتخلف حتى أصبحت المدرسة مكاناً لتفريخ المتطرفين.

فما أن يأتي ذكر «مدرسة» في الغرب إلا ويرتبط في الذهنية الغربية بالفكر المتطرف والإقصاء أو بعملية إرهابية شنها أتباع تلك المدرسة على غيرهم.

وتحول دور المدرسة من دور تنويري وتربوي إلى دور إقصائي يهمش الآخر ويعمد إلى غسل أدمغة الطلاب بالفكر المتطرف. وهكذا تحولت تلك المدارس من دور علم وتنوير إلى دور إرهاب وإقصاء، تكفر الآخر وتدعو إلى القتل والعنف والتشريد.

هذا ما نراه في بعض الدول الإسلامية التي تحمل مراكز الإرهاب فيها مسميات «مدرسة» وتنقل للآخر المختلف عنا صورة غير سوية عن الإسلام ومؤسساته العلمية والدينية والمدنية، وكأنها جميعاً مرتبطة بالإرهاب والعنف ونبذ الآخر.

وظيفة المدرسة الحقيقية هي الوظيفة العلمية والتربوية والتثقيفية التي تكمل رسالة الأسرة في التربية والتعليم، حيث تعد المدرسة حاضنة للأفكار والمواهب والتي تعمل كمؤسسة اجتماعية يمتد تأثيرها مدى الحياة.

هذه هي وظيفة المدرسة الأولى منذ قامت في بدايات الإسلام وما يجب أن تكون عليه اليوم. أما أن يتحول دورها بواسطة بعض الجماعات المتطرفة والأفكار الأيديولوجية الهدامة إلى مراكز هدم عوضاً عن البناء، ومراكز تدمير عوضاً عن التثقيف، ومراكز لبث الفتنة عوضاً عن مراكز لربط العقول بهدف واحد ألا وهو خدمة الإنسانية، فهذا هو التحريف الحقيقي لوظيفة المدرسة.

علينا كمسلمين واجب مشترك ألا وهو العمل سوياً لجعل مؤسساتنا المدنية والدينية مؤسسات تجمعنا لا تفرقنا، مؤسسات تصدر ثقافتنا السلمية للعالم لا مؤسسات تسيء لنا، مؤسسات تعمل لخير البشرية جمعاء، فهذا هو هدف ووظيفة المدرسة الإسلامية على مر العصور.

Email