الإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكثر من 15 عاماً والعالم يعاني من آفة الإرهاب بنسخته الحالية، نسخة الألفية الثالثة، فمنذ بدايتها والعالم يحارب الإرهاب بكامل أشكاله وأنواعه ومنابته وأصوله وأحزابه وجماعاته من دون توقف، والتحولات التي حصلت في هذه الفترة تحولات خطيرة جعلت منطقتنا العربية الأكثر سخونة، سخونة الحرب، والأكثر برودة، برودة الموت.

خلّف الإرهاب أرقاماً مرعبة لواقع دولنا العربية، صحيح أن الدول العربية لا تشكل سوى 5% من سكان العالم إلا أنها عانت بنسبة 45% من الهجمات الإرهابية، وبسبب الحروب الدائرة في منطقتنا العربية التي أصلها إرهاب في إرهاب وصلت نسبة الوفيات من العرب 68% من مجمل الوفيات التي تسببها الحروب، وخلال الفترة ما بين 2011 - 2017، التي انتشر فيها الإرهاب في الدول العربية، تم تدمير بنية تحتية تقدر بقيمة 460 مليار دولار، وخسائر في الناتج المحلي بقيمة 300 مليار دولار، و75% من اللاجئين في العالم هم من العرب.

الإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة، وهما سبب تأخر مجتمعاتنا العربية، وهما السببان الرئيسان في تدني المستوى المعيشي في معظم دولنا، وهما سبب كل هذه الأرقام المرعبة التي تضع دولنا إلا من رحم ربي على ذيل المؤشرات التنافسية العالمية، وكل واحدة منهما تدعم وتزيد وتفتح المجال لانتشار الأخرى.

فالفساد يعزز الشعور بالظلم وعدم الانتماء للوطن، وبهذا يصبح الانضمام للجماعات الإرهابية التخريبية حلاً لضعاف النفوس، والإرهاب يزيد من تدني مستوى المعيشة ويفتح المجال أمام الفاسدين لنهب خيرات ومقدرات البلاد بحجة مقاومة الإرهاب والقضاء عليه، في حين أن محاربة الفساد هو الطريق الأقصر للقضاء على جميع المشكلات التي تعاني منها دولنا العربية.

عندما وجّه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الرؤساء العرب في جملته الشهيرة «تَغيّروا قبل أن تُغيّروا» ـ والتي «زعل» منها الكثيرون على حسب تعبيره ـ وضح حينها أن سموه يقرأ المؤشرات التي تتنبأ بالمستقبل، وما عرضناه سابقاً في هذا المقال ما هو إلا مؤشرات وحقائق وأرقام تبين لنا مستقبل أمتنا العربية، وفي حال لم تتغيّر هذه المؤشرات، فالأوضاع المدمرة التي نراها اليوم ستصبح أوضاعاً كارثية في المستقبل.

الشفافية والمصداقية هي كل ما يحتاجه المواطن العربي، وبناء الثقة بين الشعوب والحكومات هو الطريق المستقبلي الوحيد الذي نراه أمامنا، فبقدر ما تكون الأوضاع الاقتصادية صعبة إلا أن الشعب قادر على تحملها إذا شعر أن حكومته تشاطره هذا الهم، وتقوم بواجبها من أجل تحسين هذا الوضع، ولنا في هذا العالم تجارب.

ففي عام 1997 كادت كوريا الجنوبية تعلن إفلاسها جراء أزمة اقتصادية حادة أصابت البلاد حينها، ولكن من شدة ثقة الشعب بحكومته قام ربع سكان كوريا بالتبرع بمقتنياتهم من الذهب للمساعدة في إنقاذ البلاد، والحكومة قابلت هذه الحملة بأن أخرجت الشعب الكوري من الأزمة وحسنت من أدائها الحكومي لتضاعف ناتجها المحلي وجودة المعيشة في أرضها عشرات الأضعاف خلال الأعوام العشرين الماضية.

هذا ما نحن بحاجة إليه في وطننا العربي، نريد التغيير، التغيير للأفضل والتقدم نحو المنظومات الحديثة في إدارة البلاد والعباد، نبتعد عن التعصب نحو السلام، نبتعد عن الإرهاب نحو السلم والوئام، نبتعد عن الفساد نحو الوطنية وخدمة الوطن والمواطن، نبتعد عن الجهل نحو العلم، نبتعد عن المتاجرة بأرواح البشر نحو العمل لسعادتهم والارتقاء بحياتهم، نحن بحاجة إلى برامج ومنظومات تعمل بشفافية في سبيل تحقيق أهدافها في تحسين المستوى المعيشي والناتج الاقتصادي والمعرفي لأوطاننا، نحن نريد تغيير الأرقام، نريد أن يكون ناتجنا السنوي من المعرفة أكثر من 20 ألف كتاب، نريد أن تزداد قائمة براءة الاختراعات العربية، نريد استثمار عقول أبنائنا بدلاً من هجرتهم خارج أراضينا.

الكلام سهل وبسيط، ولكن الخطة والعمل والفعل هي الأصعب، والأمر ليس مستحيلاً ولا هو بالأمر المحال، فبعض دول العالم استطاعت أن تنهض من الصفر بالإرادة والعمل والشفافية وبعيداً عن الفساد، وإن كانت النفوس غير قادرة على فعل هذا فالتكنولوجيا المتطورة التي ترصد جميع المعاملات الحكومية وتبين عيوبها وتأخر تطورها أصبحت متاحة للقضاء على صغار الفاسدين، والإعلام الصريح والبرلمانات المنتخبة الشريفة خير من يحقق هذه المعادلة الصعبة، ولكم في دولتنا الإمارات خير مثال عربي في معالجة هذا الجانب، ليس تحزباً ولا عنصريةً لوطني، إنما هي نفسها المؤشرات التي استندنا عليها في معرفة واقعنا العربي.. هي من تخبرنا بذلك.

 

 

Email