أزمة أوكرانيا والعلاقات الروسية - الأوروبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبحت الأزمة الأوكرانية بمثابة صدمة خطيرة للعلاقات بين روسيا والغرب، وستبقى لفترة طويلة واحداً من أقوى العوامل المثيرة للتهيج بين الجانبين ليس فقط في العلاقات المتبادلة وإنما في البعد العالمي لها.

بالطبع، ستستمر الدول الغربية في دعم وحماية الموقف الأوكراني في الأزمة الحالية، لكن الغرب ليس مستعداً للقتال من أجل أوكرانيا، وسيحاول تجنب أي تصعيد ملموس. والحادث في بحر آزوف في 25 نوفمبر يظهر بوضوح ذلك.

لم تبد الدول الغربية استعدادها لتجاوز اللوم اللفظي في هذا الشأن. وقريباً سوف تصبح مجرد قصة أخرى من المواجهات الشكلية طويلة الأمد بين روسيا والغرب. وتحاول الأطراف كافة استخدام الصراع في أوكرانيا في سياساتها المحلية كأداة للضغط ضد بعضها بعضاً. وفي نواح كثيرة، أصبح من المفيد بالنسبة للجهات الفاعلة الرئيسية الحفاظ على الوضع الحالي.

وبالنسبة للحكومة الأوكرانية، فإن الصراع شبه المجمد في بحر آزوف هو محاولة لإخفاء الفشل في الاقتصاد والمجال الاجتماعي. أما بالنسبة للدول الغربية وروسيا، فقد أصبح ذلك الآن طريقة للبحث عن مصالحها العالمية في الساحة الدولية وحل مسائل العلاقات المتبادلة التي تتجاوز كثيراً الحالة الأوكرانية.

وأظهرت حادثة آزوف مشكلة كبيرة أخرى؛ فقد أظهرت العجز المطلق لاتفاقات مينسك. وتواجه روسيا وأوكرانيا مصادمات مباشرة، بينما تحاول أطراف أخرى كألمانيا وفرنسا، التعامل مع الأزمات السياسية المعقدة داخل بلادها.

ويتم تجاهل أحكام الاتفاقيات على نطاق واسع، كما أن آليات الرقابة لا تزال قيد التنفيذ. وهناك خطر كبير من أن تحاول الحكومة الأوكرانية استخدام فصل الشتاء للانتقام وممارسة القمع ضد المنشقين فيها. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تصعيد جديد مماثل للقتال الذي جرى في دونباس يناير 2015، الذي أدى في النهاية إلى إبرام اتفاقات مينسك الثانية التي ساهمت في وقف عمليات الحرب النشطة وتنظيم تبادل السجناء بين أوكرانيا والجمهوريات غير المعترف بها في شرق البلاد.

لكن تلك الاتفاقيات لا تستطيع حل أي قضايا خطيرة ولا تزال تنطوي على إمكانات عالية للانفجار.

وبالمثل، فإن أوكرانيا بعيدة كل البعد عن نيل العضوية في كل من الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو). إن الأجندة الأوروبية مهمة للغاية بالنسبة للخطاب المحلي في أوكرانيا، لكن كلتا المنظمتين لا تنظر بجدية إلى أوكرانيا كعضو جديد.

ويشعر الأوروبيون بأنهم ملزمون بتبرير آمال الشعب الأوكراني في المسار الأوروبي للتنمية في أوكرانيا والدعم العام له، ولكن من ناحية أخرى، فإن أوكرانيا هي مجموعة من الأزمات والصراعات غير المحلولة، بما في ذلك الانقسامات الداخلية الحاصلة بين شعبها.

ولا تزال هناك معارضة داخلية خطيرة لما يسمى الخيار الأوروبي لأوكرانيا. ويمكن أن يكون حلف الناتو أداة تكهنات جيدة لأوكرانيا في العلاقات مع روسيا في المقام الأول. لكن أولاً، لا يقبل الناتو الدول المرشحة التي لم تحل نزاعات إقليمية، وثانياً، سيؤدي التمدد إلى أطول حدود أوروبية مع روسيا إلى عسكرة الحدود أو حتى الاشتباكات المباشرة.

وهذا واضح جيداً لكل من الناتو وروسيا. وفي الوقت الحاضر، من المرجح أن يتلاعب الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بورقة البلقان من أجل سياسة توسيعه. وستبقى القضية الأوكرانية أيضاً مبرراً لسياسة العقوبات التي تتبناها الدول الأوروبية ضد روسيا، على الرغم من أنها ضارة جداً للشركات الأوروبية.

وستتمسك روسيا أيضاً بعقوباتها ضد الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا. ولا يمكن إجراء تحولات كبيرة في هذا الشأن إلا في حالة التسوية التدريجية للنزاعات على مستوى روسيا وأوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي.

والعلاقات الروسية الأميركية لها أبعاد أخرى. فالأزمة الحالية متجذرة ليس في أوكرانيا ولكن في قضايا أكثر جوهرية. ولكن، ومع ذلك، فإن حل الأزمة الأوكرانية يمكن أن يسهم في استقرار أوراسيا على الرغم من أنها سوف تستهلك سنوات أو حتى عقوداً للوصول إلى توافق في الآراء.

 

 

Email