مقال تحليلي

أوسلو فشلت ولكن..

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يعد هناك شك لدى أحد في أن اتفاق أوسلو قد فشل. هذه هي النتيجة المؤكدة بعد خمسة وعشرين عاماً من التوصل لاتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. نص اتفاق أوسلو على مجموعة من الترتيبات المؤقتة تمهيداً لاتفاق نهائي. تم تنفيذ أغلب الترتيبات المؤقتة، لكن الاتفاق النهائي لم يأت أبداً، وبالنتيجة انحشر الفلسطينيون في مرحلة السلطة، ولم يصلوا إلى مرحلة الدولة. الذكرى الخامسة والعشرون لتوقيع اتفاق أوسلو شجعت مدعي الحكمة بأثر الرجعي - ولدينا الكثيرون منهم في العالم العربي - لنزع كل وجاهة عن أوسلو، ولتخطئة القيادة الفلسطينية التي قبلت توقيع هذا الاتفاق. يتحدث هؤلاء وكأن القيادة الفلسطينية قبل خمسة وعشرين عاماً كانت تجلس في استرخاء تختار بين مسارات وبدائل مختلفة، فاختارت توقيع أوسلو المعطوب، فيما رفضت بدائل أخرى مضمونة النتائج.

تم التوصل لأوسلو عام 1993. كان ذلك في السنوات التالية لحرب الخليج، في وقت كانت فيه القيادة الفلسطينية معزولة ومهزومة سياسياً، ولم يكن أمامها الكثير من البدائل، فجاء أوسلو ليقدم مخرجاً من الوضع البائس. فكيف وصلت القيادة الفلسطينية إلى هذا الوضع المحزن؟

كانت منظمة التحرير الفلسطينية، وكل المنظمات المنضوية تحت مظلتها، قد أجبرت على الرحيل من لبنان في أعقاب الغزو الإسرائيلي لهذا البلد في يونيو عام 1982، كانت هذه أياماً غاية في السواد. اجتاح الإسرائيليون لبنان، ووصلوا إلى عاصمته بيروت، ودخلوها، وحاصروا القسم الغربي من المدينة، حيث تتمركز قيادات المنظمات الفلسطينية ومقاتليها. استمر الحصار لسبعة أسابيع من المقاومة البطولية. عانت المدينة وأهلها من القصف وانقطاع الكهرباء والمياه، ونقص الدواء والسلع، وكانت تكلفة الاستمرار في المقاومة باهظة وغير عادلة لأهل بيروت من المدنيين.

إنهاء الحصار

وافق الفلسطينيون على الرحيل عن بيروت استجابة لمطالب حلفائهم من السياسيين اللبنانيين، مقابل إنهاء الحصار الإسرائيلي. ما إن رحلت السفن بالمقاتلين الفلسطينيين إلا ووقعت مجازر راح ضحيتها آلاف المدنيين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الموجودين في قلب بيروت الغربية. في السنوات التالية نشبت الحرب بين بقايا المنظمات الفلسطينية في شمال لبنان من ناحية وسوريا وحلفائها من ناحية أخرى، وكانت المحصلة هي استكمال عملية طرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.

اختار أبو عمار والقيادات الفلسطينية الرحيل إلى تونس البعيدة عن فلسطين، هرباً من محاولات سوريا حافظ الأسد وحزب البعث السيطرة على القرار الفلسطيني. كان الفلسطينيون مهزومين ومعنوياتهم محطمة بعد بيروت، وكان العرب مشغولين بالحرب بين العراق وإيران التي استهلكت الثمانينات كلها تقريباً. كاد العالم ينسى القضية الفلسطينية لولا الانتفاضة الفلسطينية 1987 التي أعادت وضع فلسطين في مقدمة نشرات الأخبار وعناوين الصحف. نجحت الانتفاضة السلمية في تغيير الوضع السياسي البائس.

دعي عرفات للتحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، رفضت أميركا منح عرفات تأشيرة دخول، فانتقلت الجمعية العامة لتنعقد في جنيف، وأمامها تحدث أبو عمار في ديسمبر 1988. كان هذا انتصار رائع للفلسطينيين. أجبرت أميركا في العام التالي على بدء حوار مع منظمة التحرير، وبدأت الأمور في الانفراج، شكراً للانتفاضة الفلسطينية السلمية. الحوار مع أميركا كان بطيئاً ومتثاقلاً، والانتفاضة كانت تفقد زخمها بمرور الوقت، لكن الغزو العراقي للكويت كان هو التطور الذي قوض كل النجاحات الفلسطينية.

تغيرت الاهتمامات بعد غزو صدام للكويت، وانشغل الجميع بتحرير البلد العربي المحتل من جانب بلد عربي آخر. الأسوأ من هذا أن الجماهير الفلسطينية انخدعت في شعارات صدام حسين، واندفعت لتأييده علناً وصراحة. لم تقم القيادة الفلسطينية بدورها في لجم سذاجة الجماهير وبساطتها، بل سارت وراء الجموع، فتبنت موقف صدام ودافعت عنه، ووضعت نفسها والقضية الفلسطينية في الجانب الخطأ، وخسرت القضية الفلسطينية مع الخاسرين، لكن خسارة الفلسطينيين كانت أكبر من كل الآخرين بسبب هشاشة الوضع الفلسطيني.

حل الصراع

بضغط من حلفائها العرب، حاولت أميركا بعد تحرير الكويت التقدم باتجاه حل للصراع العربي الإسرائيلي. في ديسمبر 1991 انعقد مؤتمر مدريد للسلام بحضور كل العرب وإسرائيل، بالإضافة إلى كل الكبار بين دول العالم ومنظماته الدولية. حرمت منظمة التحرير الفلسطينية من المشاركة في مدريد بسبب موقفها إلى جانب صدام. أجبر الفلسطينيون على المشاركة في مدريد ضمن وفد مشترك مع الأردن، في إحياء للخيار الأردني، وتجاهل للشعب الفلسطيني والقيادة التي تمثله. حدث هذا فيما كانت الانتفاضة الفلسطينية قد خمدت، وفيما كانت آثارها الإيجابية تتلاشى من ذاكرة العالم بسرعة، الأمر الذي وضع القيادة الفلسطينية في موقف شديد الصعوبة.

في هذه الظروف بحثت قيادة منظمة التحرير عن بدائل، فكان أوسلو، الذي منحها اعترافاً، وأتاح لها العودة إلى فلسطين، وتأسيس سلطة على جزء من الأرض لخمس سنوات يتم التوصل في نهايتها لحل نهائي. لقد بدا أوسلو عندها أفضل من كل شيء آخر مطروحاً على الفلسطينيين، الذين لم يكن مطروحاً عليهم وقتها أي شيء آخر ذي بال.

ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة

Email