نظام الدوحة الراكض وراء ظله

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع إطلالة كل يوم جديد، يحاول نظام الدوحة البحث عن منفذ للتعبير عن استمرار وجوده كنظام فاعل في المنطقة والعالم، رغم أن كل المعطيات تؤكد أنه بات على هامش التاريخ، وأن بقاءه رهين ما يبذّر من ثروة شعبه بحثاً عن حلفاء افتراضيين، يقنع من خلالهم نفسه بأنه قادر على اكتساب شرعية، يدرك في قرارة نفسه أنه أضحى يفتقدها، مثله مثل أتباعه من عصابات الإرهاب والخراب وميليشيات العار والدمار، التي بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة.

لقد دفع نظام الدوحة بنفسه إلى حلقة مفرغة، عندما اختار أن يشتري الولاءات بالصكوك، وأن يعتمد على دبلوماسية الصفقات في تحصين نفسه، رغم أنه يدرك جيداً أن العالم من أقصاه إلى أقصاه، على قناعة بأن قطر تدعم الإرهاب والتطرف، وتحتضن عتاة القتلة والمجرمين، وتمد بالمال جماعات متشددة في القارات الخمس، وبالسلاح قتلة وفوضويين محترفين تشهد على جرائمهم دماء الضحايا في سوريا والعراق واليمن وليبيا وسيناء والصحراء الكبرى.

فالعاصمة التي يستضيف حكامها إرهابيي القاعدة وطالبان والإخوان وبوكو حرام والجماعة المقاتلة الليبية وجبهة الإنقاذ الجزائرية وجبهة النصرة السورية وحركة الشباب الصومالية وزعماء المتمردين من تشاد غرباً إلى الشيشيان شرقاً، والمتورطين في قتل أطفال مصر، والداعين إلى الفوضى في موريتانيا، والمتآمرين على دول الجوار الخليجي، وغيرهم، تدرك جيداً أن العالم تطور تقنياً واستخباراتياً إلى الحد الذي يمكنه من معرفة ما يدور في مضايف الديوان الأميري القطري، وفي فيلات مدينة الوكرة وأبوهامور وغيرها، حيث كانت ترسم الخرائط، وتعدّ المخططات، وتُوزع الأدوار، وتُرسل التكليفات، وتُقسّم هبات أجهزة النظام والجمعيات الخيرية على رؤوس الفتنة، وتنطلق مشاريع الخراب والدمار.

غير أن اليوم ليس كالأمس، فقد انحصرت القدرة على التحرّك، وأصبحت هناك رقابة إقليمية ودولية على كل ما يصدر من قطر أو عنها، بما في ذلك المبادرات الخيرية والإنسانية التي كانت تستعمل كيافطات لتوسيع المؤامرة، وترسيخ مشروع الفوضى في المنطقة.

لقد أدرك نظام الدوحة أنه خسر رهاناته السابقة، وأن أضواء العالم مسلطة على جرائمه، وأنه لم يعد يتحكم في خيوط اللعبة، لذلك اتجه للبحث عن منافذ في الخارج في محاولة منه لتلميع صورته، متحدثاً بلغة يدرك أن لا أحد سيصدقها، ومستظهراً بمعطيات تؤدي إلى تجريمه لا إلى تبرئته، ومتظاهراً بأنه يملك زمام المبادرة، بينما هو يواجه عزلته القاتلة في الداخل والخارج، حيث تبيّن للشعب القطري أنه مخدوع في القائمين عليه، وتبين للعالم أن مخاطبهم غدر بإخوة الدم والمصير، فما بالك بالأبعدين دماً وجغرافيا.

ولا شك أن رحلة تميم في أميركا اللاتينية خير دليل على ذلك، حيث كانت تسبقه التحقيقات الصحفية حول عزلة نظامه بسبب تورطه في الإرهاب والفساد وفي فضيحة كأس العالم 2022، ليواجهها بالوعود الاستثمارية والهبات المجزية للأبواق المهيئة لخدمته، رغم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها بلادها.

وسيبقى نظام الدوحة يركض وراء ظلّه، إلى أن يدرك ذات اليوم أنه كان يطارد خيط دخان؛ لأن الهارب من واقعه كالهارب من نفسه، إلى حيث لا أمل له في العثور على ميناء سلام.

Email