الوعي الرشيد المُلهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

في إحدى القمم العالمية للحكومات التي تعقد في دبي منذ سنوات، وخلال العرض التفصيلي الذي قدمه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، يتحدث فيه عن المنجزات التي حققتها دولتنا في جميع المجالات وبأرقام تصاعدية أذهلت الحاضرين، ما أثار لدى مدير الجلسة سؤالاً وجده ضرورياً فقال موجّهاً كلامه لصاحب السمو: «لديكم أرقام رائعة تم تحقيقها هنا في الإمارات، فلماذا تشغل نفسك بالعالم العربي وباستئناف الحضارة في المنطقة العربية؟».

فكان جواب سموّه ما يلي: «قبل اثنتي عشرة سنة وجَّهت رسالة صريحة جداً للقيادات العربية قلت فيها: (تغيروا وإلا قد تُغيرون).

البعض عتب عليّ، والبعض زعل، والبعض الآخر قالت لهم الحاشية ماذا يعرف هو عن المستقبل؟ وصحيح ما يعرف الغيب إلا الله ولكن هناك مؤشرات تجعل الواحد يفهم المسألة، أول شيء القيادات العربية أحاطوا أنفسهم بمسؤولين وحاشية تقول لهم كل شيء ممتاز وكل شيء جميل وأن الشعب سعيد، غير أن هنالك مؤشرات تقول إن السعادة غير موجودة، الرضا غير موجود، هناك فرص ضائعة، هناك اقتصاد متخلف، هناك ملايين الشباب العربي المتعلم ليس لهم أمل في المستقبل».

ثم سأل مدير الجلسة سموّه: «برأيك يا صاحب السمو ما الذي ينقص العالم العربي حتى يستأنف هذه الحضارة؟».

فأجاب سموه: «هو الإدارة، الإدارة مهمة، إدارة الحكومات، إدارة الاقتصاد، إدارة البشر، إدارة البنية التحتية، في كل شيء يجب أن تكون الإدارة هي أهم شيء، يعني الفساد لما يكون في بلد، يا إخوان مثل بلد يكلف فيه المشروع مائة يضعون ألفاً، مائة للمقاول وتسعمائة للمسؤولين!».

هذه الإضاءة الفكرية الساطعة جسّدت بُعدين أساسيين من الأبعاد أو المسارات التي درجت عليها قيادتنا الرشيدة: فأولهما أن قيادتنا الرشيدة لم تتخلَّ عن مسؤوليتها تجاه أشقائها العرب، وهي تسعى بالخير لكل العرب في سرائهم وضرائهم وقد أثبتت الوقائع التاريخية ذلك، فتقدمت بمالها ورجالها من أجل عز العرب وكرامتهم، ولم تبخل حتى بالنصيحة والمشورة عليهم لتجنبهم الأخطاء الفادحة في السياسة والإدارة.

أما البعد الثاني فيما أضاء به حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد فهو تأكيده على مبدأ (الإدارة) فالإدارة الناجحة وراء كل تقدم يحرزه الفرد أو المجتمع، ومن سمات الإدارة الناجحة ألا تتخذ بطانة من الفاسدين أو الفاشلين الذين يزينون لها الباطل أو يستغلون مواقعهم القريبة من القيادة من أجل الكسب غير المشروع.

إن القيادة الرشيدة في بلادنا نبَّهت الكثير من الحكام العرب ونصحتهم، لكنهم لم يتعظوا فوقع المحذور، ولأن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ذا رؤية ثاقبة وإرادة جبارة وأمل فلم ييأس من الدعوة لإصلاح هذا الواقع المؤلم والتحديات الجسيمة التي تواجه أمتنا العربية، فكان ولا يزال يعمل لدولتنا الناهضة بيد ولعالمنا العربي باليد الأخرى، ويؤكد أن: «عالمنا العربي يحتاج إلى ثورة في العمل الإداري، وأن الحكومات قاطرة التنمية لكل القطاعات الأخرى، ويجب دفع العمل الحكومي قدماً والارتقاء بقدرات منظومته».

لقد أسَّس فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مدرسة في السياسة والإدارة متكاملة الأركان عميقة الجذور وارفة الظلال، ليت العرب يستفيدون منها لخلق وتطوير تنمية مستدامة تخدم أبناءهم وتبني حاضرهم ومستقبلهم.

يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن أخيه صاحب السمو محمد بن راشد آل مكتوم: «محمد بن راشد صاحب رؤية بمفاهيم التطور والإبداع، والشخصية الأكثر تأثيراً وإلهاماً في تطوير العمل الحكومي، وإن إسهاماته جعلت الإمارات نموذجاً يُحتذى به في مجال التنافسية».

فهنيئاً لمجدك يا وطن برجالك الأصلاء الحكماء ممن جعلونا في قمة الهرم تقدماً وإنجازاً حضارياً، وجعلوا من شعبنا منتمياً إلى فئة (أسعد الشعوب في العالم).

 

 

 

Email