ناصر في أوراق صحافي هندي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أيام قليلة وتطل علينا الذكري السادسة والستون لثورة 23 يوليو..تباعدت الأيام والسنون ومضي التاريخ سريعاً،لكن هناك العديد من القضايا لاتزال عصية على التبديل والتغير مهما تباعدت الأزمنة فهي ممتدة ومتشابهة وتمثل تحديات مشتركة للمنطقة العربية.

وسط أجواء ذكرى هذه الثورة شدنا شغف القراءة والتأمل في جسد تلك المرحلة فتوقفنا أمام حوار من أخطر وأهم الحوارات التي أدلى بها الرئيس جمال عبد الناصر بتاريخ 19 أبريل عام 1970 مع الصحافي الهندي كارانجيا رئيس تحرير مجلة بليتز، وتناول الحوار العديد من الملفات عندما تقرأها تشعر بأن الحوار ابن هذه الأيام، وكأن شيئاً لم يتغير، وأن التحديات والمؤامرات التي كانت في الستينات والسبعينات تحاك ضد العرب لاتزال مستمرة، الهدف واحد لكن آليات تنفيذه هي التي تختلف.

من بين النقاط المهمة والتي تشغل الرأي العام حالياً وركز عليها الحوار آنذاك نقطتين أساسيتين: الأولى الانسحاب الإسرائيلي التام من جميع الأراضي المحتلة، والثانية إعادة الحقوق المشروعة لعرب فلسطين.

فقد تناول الرئيس عبد الناصر في حديثه موقف أميركا المؤيد بل والمشجع لإسرائيل والمشروعات الزائفة التي عرضت تحت ستار السلام، والأهداف التوسعية لإسرائيل، وموقف التحدي الذي وقفه الشعب المصري رداً على الغارات الإسرائيلية، و تماسك الجبهة الداخلية المصرية رغم الأيام الصعبة التي مررنا بها في عامي 1967و1968، التي تحملنا فيها عذاب عدو ثمل بعجرفة النصر، والموقف الاقتصادي المستقر في مصر. الحوار كان صريحاً بين الطرفين «الرئيس والصحافي».

فقد استهل الصحافي الهندي كارانجيا مقابلة الرئيس بسؤال قال فيه: يبدو - يا سيادة الرئيس - أن الإسرائيليين قد تعلموا دروسهم تماماً من هتلر وجورنج، ومع ذلك فإنه مما يثير الدهشة حقاً أن تخرج صحيفة «نيويورك تايمز» لتدعوك إلى التخلي عن أحلامك باستعادة المناطق التي فقدتها بالحرب، وتناشدك أن تسعى لتسوية دبلوماسية. فهل لسيادتك أن تجيب على هذه النصيحة الغريبة؟

فأجاب الرئيس عبد الناصر: إن «نيويورك تايمز» تردد ما ظلت تقوله لنا الحكومة الأميركية على طول الخط، فأميركا تؤيد وتشجع إسرائيل بكل وسيلة، وبدلاً من أن تطالبها بوقف حماقاتها ضد شعبنا، فإنها تهددنا بأن الغارات ستتصاعد وتتسع وتزداد عمقاً، ما لم نستجب لنصيحتها ونستسلم للمعتدي.

ولكننا نعرف أن أميركا مسؤولة عن جميع الفظائع التي ترتكبها إسرائيل. وفضلا عن ذلك، فمن هم الذين أعطوا الإسرائيليين الطائرات التي يستطيعون بها أن يتوغلوا في عمق أراضينا لضرب شعبنا؟ لقد أعطتهم أميركا منذ حرب يونيو ٥٠ طائرة فانتوم، 100 طائرة سكاي هوك، بالإضافة إلى غيرها من الأسلحة الحديثة، وعندما نحتج فإنهم يقولون لنا: إن عليهم أن «يوازنوا» قوة إسرائيل الجوية بقوتنا، ويطلقون على ذلك اسم المحافظة على «توازن القوى» في هذه المنطقة، ولكنهم حينما يقيمون «التوازن» فإنهم يضيفون إلى قواتنا الجوية كل طائرة تملكها كل دولة عربية!

كما يكشف الحوار الذي مضى عليه قرابة الخمسة عقود كيف كان موقف عبد الناصر من قرار اٍسرائيل في استعمار الأراضي العربية المحتلة، بادئة بالخليل. والذي اعتبرته –آنذاك- صحيفة «التايمز» اللندنية «خطوة حاسمة لتحويل الاحتلال الإسرائيلي إلى استعمار إسرائيلي، فكان رأي عبد الناصر أن مؤسسي إسرائيل أنفسهم لم يخفوا أبداً مشروعهم الخاص بإسرائيل الكبرى، وذلك كله مسجل في خريطة هرتزل لإسرائيل الكبرى.

ويواصل الرئيس كلامه مع الصحافي الهندي قائلاً له: صدقنى إننا قرعنا كل باب بحثاً عن السلام، ولكن الجواب من إسرائيل وشريكاتها الدول الغربية كان: الحرب.. الحرب.. والحرب.

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

Email