طالبان والهدنة في أفغانستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرت الفترة الماضية بهدوء للمرة الأولى منذ فترة طويلة على شعبي أفغانستان وباكستان بشكل خاص، بفضل بعض الدبلوماسية الحكيمة المتبادلة بين حكومتي البلدين.

وشهدت احتفالات عيد الفطر الماضي وقفَ إطلاق نار ملحوظاً بين قوات الأمن الأفغانية المدعومة من حلف الناتو وحركة طالبان أفغانستان. وامتلأت وسائل الإعلام الاجتماعية بمشاهد مفرحة لطالما اعتقد الناس في البلدين أنهم لن يروها مطلقاً. ورحب كبار المسؤولين الأفغان بالمتمردين الذين زاروا المدن الكبرى، إضافة إلى زيارة بلداتهم وقراهم للاحتفال بقدوم العيد. واحتضن أعداء الأمس بعضهم بعضاً، وأدوا صلاة العيد معاً. والتقط الجمهور صوراً تذكارية مع أعضاء الحركة. وكانت تلك مناسبة لإظهار الرغبة الحقيقية في السلام بين أفراد الشعب الأفغاني.

ومن الناحية السياسية، كان وقف إطلاق النار لافتاً، لأنه كان مدعوماً من جانب المتشدّدين في كلا الجانبين، اللذين كانا حريصين على إظهار وحدة القيادة. وكان لهذا الأمر أهمية خاصة في سياق عودة التعاون الأمني سريعاً بين أفغانستان وباكستان، في أعقاب ستة أشهر من جهود صنع السلام التي قادتها الصين في جنوب آسيا.

وعلى خلفية الأمل هذه، عرض الرئيس الأفغاني أشرف غاني، تمديد وقف إطلاق النار من جانب الحكومة لفترة غير محددة، وطلب من طالبان الرد على ذلك. وعلى الرغم من رفض الجماعة المتشددة تمديدها، فإن مشهد المقاتلين والمسؤولين الذين كانوا يتبادلون تحيات العيد بدا أمراً استثنائياً.

وعكر صفوَ احتفالات العيد تفجيران انتحاريان من قبل داعش، استهدف أولهما تجمعاً للجنود الأفغان ومقاتلي طالبان رداً على احتفالاتهما، فيما قتل التفجير الثاني 18 من المحتفلين بالعيد في جلال آباد. ومن شأن الانفراج بين حكومة كابول وطالبان أن يكثف تركيز عمليات مكافحة الإرهاب المتعددة الجنسيات على قواعد داعش وحلفائها في زيادة نشاط طالبان باكستان بإقليمي نانغارهار، وكونار، الشرقيين.

وكانت الضغوط الباكستانية حاسمة لإقناع طالبان بتخفيف معارضتها التوصل إلى تسوية مع حكومة غاني. ورداً على هذا الصنيع بنى الجيش الأفغاني على معلومات استخباراتية قدمها رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا، خلال محادثات جرت في كابول مؤخراً. وفي غضون ساعات، قتلت الطائرات بدون طيار، التابعة للجيش الأميركي، الملا فضل الله، رئيس حزب طالبان الباكستانية المراوغ، وهو يخرج من مأدبة الإفطار في كونار. كان موت فضل الله سبباً قوياً للاحتفال في باكستان، فيما كان وقف إطلاق النار يتوطد في أفغانستان.

وعلى الرغم من أن الملا فضل الله لا يعد الزعيم الأقوى لدى طالبان باكستان، فإنه بالتأكيد كان الأكثر شراسة. ففي عام 2007 ، استولى على سوات، الوجهة السياحية الصيفية الأكثر شعبية في باكستان، وعانى سكانها من الاستبداد الوحشي المرتبط عادة بحكم داعش في أجزاء من العراق وسوريا. وطالته في وقت لاحق كراهية العالم بعد إطلاق النار على ملالا يوسفزي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2012، التي كانت آنذاك تلميذة في الرابعة عشرة من عمرها. واعتبرت باكستان الاستيلاء على سوات تهديداً وجودياً لها. وأنشأت حركة طالبان الباكستانية إثر ذلك معقلاً داخلياً لها في المناطق القبلية النائية المتاخمة لشرق أفغانستان. ومن هناك، تحرك مقاتلو فضل الله شرقاً باتجاه المنشآت الدفاعية التي يعتقد أنها تخزن بعض الأصول النووية الباكستانية، ما دق ناقوس الخطر في أنحاء البلاد وحول العالم.

وتدرك طالبان تماماً أنها ستفقد مطالبتها بالشرعية السياسية إذا لم تستجب بشكل إيجابي لمطالب الهدنة في أفغانستان. وعلى الرغم من الصراع المروع الدائر في البلاد، ظل ممثلو حركة طالبان نشطين في منتديات دبلوماسية القنوات الخلفية. وقد يوافقون على إجراء محادثات سلام أولية إذا توسعت المشاركة المتعددة الأطراف.

وستجد الجماعة أرضية مشتركة بينها وبين الحكومة الأفغانية بشأن مسألة الوجود المتنامي لداعش في أفغانستان، وهو مجال للتعاون بين طالبان وخمس حكومات إقليمية في البلاد. وفي السابق، عمل تنظيم داعش وجماعة طالبان الباكستانية، حلفاء عسكريين في شرق أفغانستان منذ عام 2014، إضافة إلى شن هجمات على باكستان، وقاتلوا ضد القوات الأفغانية والأميركية وطالبان.

وبعد اغتيال فضل الله، قد تحاول الجماعتان المتشددتان إحياء نفوذهما المتراجع، ربما في إطار ترتيب سياسي رسمي يتقدم به رئيس جديد لجماعة طالبان الباكستانية.

وحتماً سيكون هناك تأثير كبير على مستقبل داعش وطالبان باكستان في جنوب آسيا في الأشهر المقبلة. وستحدد الجماعتان، أيضاً، ما إذا كان هناك أي احتمال حقيقي لإجراء مفاوضات سلام مستدامة في أفغانستان. وفي الحالتين، تتوقف النتيجة على إجراء نشاط دبلوماسي متعدد الأطراف وجدير بالثقة، لمعالجة المصالح الأفغانية والأجنبية المتنافسة.

وحتماً فإن البديل سيكون المزيد من الفوضى في أفغانستان، وزيادة انتشارها عبر المنطقة.

مراسل صحفي في آسيا

Email