دور الإعلام في مكافحة الإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يضع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، تحدّي مكافحة الإرهاب، ومحاصرة خطاب الكراهية والفكر المتطرف، على قائمة اهتماماته، ويدعو في لقاءاته واجتماعاته جميعاً، بشكل متواصل، إلى تنسيق المواقف، وتطوير آليات التعاون لمواجهة دعم وتمويل واحتضان التطرف والإرهاب.

يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، أن الإعلام يجب أن يؤدي دوراً محورياً بكافة وسائله، في مواجهة خطاب الكراهية والفكر المتطرف، وأن تلك المواجهة للإرهاب، تتطلب اجتثاث جذوره الفكرية المنحرفة، وكشف زيف خطاب التنظيمات الإرهابية، واستغلالها الدين الإسلامي السمح، للتغرير بالشباب في المنطقة العربية والعالم.

ويرى سموه أن محاربة التطرف والإرهاب إعلامياً وفكرياً، لا تقل أهمية عن محاربته أمنياً وعسكرياً، بل قد تكون أكثر أهمية، لما للإعلام من تأثير مباشر في نشر قيم التسامح والتعايش المشترك، وقبول الآخر، وترسيخ الإيجابية في المجتمعات.

يشتمل الإرهاب في ما يشتمله، على شبكة تبدو عشوائية، لكنها في واقع الأمر، وبعد الجهود التي بذلت وتبذل لمكافحة الإرهاب، أصبحت واضحة المعالم، ويمكن الوقوف عليها وفهمها وبحثها، ثم تفكيكها ومعالجتها، على مبدأ معالجة الأجزاء الصغيرة لبلوغ الكل.

من وجهة نظري، فإن الإرهاب يتحرك، حين يبدأ الفكر الإنساني بالانحراف عن الطريق السوي المعتدل، وتزداد الفجوة اتساعاً، كلما نشب مخالبه في الشخصية والسلوك، ثم يتطور ليصبح فكراً متطرفاً، ويستخدم خطاب الكراهية والحقد على الآخر، وفي تلك المرحلة بالذات، قد يصبح مهيّأً لممارسة الإرهاب الفعلي وارتكاب الجرائم.

قد نحتاج إلى وقفة جريئة لمراجعة المنظومة الفكرية التي تسبب الانحراف، وتؤدي إلى الكراهية ضد الآخر، ثم تصل إلى احتكار الحق والصواب، وعلينا أن نبحث جيداً في ذلك الفراغ الذي ينشأ عند انخفاض مستوى التعليم والثقافة عند الأطفال والشباب، ونضع مخططاً يضمن بث الخطاب المعتدل، الذي يركز على القيم السلوكية والروحية، والتحلي بالأخلاق الكريمة والمثل الإنسانية النبيلة، كالتعايش السلمي، وأهمية المساهمة في بناء الأسرة والمجتمع والوطن، وتحقيق التكافل والتراحم وقبول الآخر.

وبالنظر إلى فئة نجوم الإعلام الجديد، وما يطلق عليهم «نجوم السوشيال ميديا»، فإن الدور المطلوب منهم جميعاً، هو المساهمة في معالجة تلك الأجزاء الصغيرة في عمق شبكة الإرهاب، بأن تتولى مجموعة منهم، وبدافع الحرص، مهمة نشر قيم التسامح والوسطية والتعايش، وإحياء القيم والمثل النبيلة، من دون الاعتبار للفروقات في العرق أو الدين أو الثقافة، وتتولى مجموعة أخرى متخصصة، التصدي للأجندات الإرهابية المشبوهة، والتي تسعى إلى إثارة الفوضى والاضطراب، وفضح الدول والمؤسسات التي تقوم بتمويل الإرهاب وإمداده بالسلاح والمقاتلين، وكل من يقوم بتشجيع الإرهاب مادياً وإعلامياً.

كذلك لا بد أن تظهر مجموعات إعلامية متخصصة، ومن باب المسؤولية الأخلاقية والمجتمعية، تقوم بتتبع أصحاب الأفكار المتطرفة، وكل من يسعى إلى زعزعة أمن واستقرار المجتمعات، ويهدف إلى تقويض عمليات البناء والتنمية، وتعرية أعمالهم المشبوهة وخطاباتهم الموبوءة بأساليب إعلامية علمية، تضمن وصول الرسالة للفئات المستهدفة لمحاصرتهم، ووأد أعمالهم أو محاسبتهم من قبل الجهات المختصة.

قطع الطريق على الإرهاب، وبناء حاجز بينه وبين الشباب، يتطلب أن تبدأ سيمفونية مجتمعية كاملة، بالعزف بإيقاع دافئ، يضمن وصول الرسالة بطريقة مرنة إلى الرأي العام بكافة فئاته، وعلى رأسها المؤسسات الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية في الوطن العربي، بتطوير الاستراتيجيات والخطط الإعلامية، وتكليف القائمين على الإعلام الجديد، بتنفيذها كواجب ومسؤولية، وبلا مقابل، سوى مواجهة هذا التحدي الكبير، ومكافحة التنظيمات الإرهابية، وتجفيف منابع تمويلها ومنابر دعمها، وتفكيك خطاب التطرف وتجريده من أسانيده المزعومة.

* كاتبة وإعلامية

Email