الفلسطينيون أعادوا قضيتهم إلى الأجندة الدولية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد عادت القضية الفلسطينية إلى الأجندة الدولية أكثر من أي وقت مضى على امتداد السنوات الخمس عشرة الماضية.

وإذا كان القصد من نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس أن يُظهر أن الفلسطينيين كانوا عاجزين وليس هناك ما يمكنهم فعله حيال ذلك، فقد فشل هذا القصد.

ويشير نقل السفارة إلى أن الولايات المتحدة قد تخلت حتى عن ردعها المتواضع في السابق على الأعمال الإسرائيلية، وكان لذلك أثر عكسي تماماً للهدف المقصود. فقد أصبح الفلسطينيون المحتجون، وليس الإسرائيليين والأميركيين المحتفلين، السمة الأساسية في هذا الحدث.

ففي الوقت الذي كان فيه الأميركيون والإسرائيليون يحتفلون بنقل السفارة الأميركية إلى القدس أظهرت محطات التلفزة الجنود الإسرائيليين يقتلون أكثر من 62 فلسطينياً وأصابوا 1360 آخرين في غزة، مما أثار جدلاً واسع النطاق.

الادعاءات الإسرائيلية بأن الجنود كانوا يدافعون عن السياج المحيط بغزة من هجوم نشطاء حماس المسلحين بالحجارة والطائرات الورقية بدت متناقضة مع كل من الصور التلفزيونية وعدم وجود خسائر إسرائيلية. لكن هذا الغضب الدولي سيتلاشى، كما حدث في الماضي في غزة عندما قتلت القوات الإسرائيلية الفلسطينيين بأعداد كبيرة.

والسؤال الأكثر أهمية الآن هو إلى أي مدى كانت «مسيرة العودة الكبرى» للاجئين الفلسطينيين من عام 1948، والتي انتهت الآن، حدثاً مهماً، أو بداية لحملة عصيان مدني فلسطيني. إذا كان هذا الأخير، فإننا في بداية ما وصفته صحيفة إسرائيلية بأنه «أول نشاط ناجم عن قرارات ترامب».

إسرائيل والولايات المتحدة لديهما مصلحة في احتواء آثار عمليات القتل الإسرائيلية للفلسطينيين في 14 مايو. وقد عرضت إسرائيل على الفلسطينيين تنازلات ثانوية لتخفيف الحصار المفروض على غزة، وهو ما يشبه حصار القرون الوسطى، مقابل إيقاف التظاهرات. وفي المقابل أعلنت مصر عن فتح معبر رفح بغزة طوال شهر رمضان.

ومن بين المكاسب الأخرى التي حققها الفلسطينيون، بغض النظر عن وضع مصيرهم مجدداً على الخريطة السياسية والإعلامية، تركيز الانتباه على الظروف البائسة التي يعيشها 1.9 مليون شخص يعيشون في غزة، والذين «يقبعون في أحياء فقيرة غير صالحة للحياة» وفقاً للمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الأمير زيد رعد الحسين.

لكن زيادة وضوح بؤس الفلسطينيين في غزة لا تعني أنه سيتم القيام بالكثير لتحسين الأمور. ميزان القوى منحرف بعيداً عن الفلسطينيين ونحو الإسرائيليين لأنهم يشعرون بأنهم يستطيعون التصرف وقتل الفلسطينيين دون عقاب.

قد لا تحب الحكومة الإسرائيلية الدعاية السيئة التي تروج عنها، لكنها تستطيع التعامل معها طالما أنها لا تستمر طويلاً.

يقول دانييل ليفي، وهو دبلوماسي إسرائيلي سابق، ومفاوض سلام ورئيس مشروع الولايات المتحدة /‏ الشرق الأوسط، إنه إذا استمرت الاحتجاجات الفلسطينية بمرور الوقت، فذلك يعني استمرار الخسائر البشرية، وتوسع النزاع جغرافياً خارج غزة ليشمل الضفة الغربية والقدس وإسرائيل، عندها لن تستطيع الحكومة الإسرائيلية التخلص من هذا المأزق.

ويضيف أنه إذا رغب الفلسطينيون أن يكون لتظاهراتهم أي تأثير، فسيتعين عليهم البقاء غير مسلحين لضمان نجاح انتفاضتهم.

لقد أنتج العصيان المدني في الماضي بعض الفوائد للفلسطينيين: فالانتفاضة الأولى في عام 1987 أدت إلى اتفاقات أوسلو والانتفاضة الثانية التي كانت أكثر عنفاً بكثير في عام 2000 أدت إلى الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بعد ثلاث سنوات.

لكن من المشكوك فيه أن القادة الفلسطينيين قادرون على متابعة مثل هذا المسار بأنفسهم أو السماح للناشطين المدنيين القيام بذلك.

وتبدو إسرائيل في ذروة قوتها مع حصولها على تفويض مطلق من البيت الأبيض لتفعل ما تريد. لقد ألقت الولايات المتحدة باللوم على الفلسطينيين من دون كلمة انتقاد لتل أبيب.

استمرار هذا الوضع قد يحدث أزمة دائمة في الشرق الأوسط. ولدى إسرائيل خيار طرد الفلسطينيين وإخضاعهم بشكل دائم أو محاولة العثور على بعض وسائل التعايش معهم. فالطرد الجماعي غير ممكن في هذا الوقت وسط ظروف غير مواتية، ومن غير المحتمل التوصل إلى اتفاق بشأن التعايش، الأمر الذي يترك القمع الدائم كخيار وحيد لدى حكومة نتانياهو.

قد لا تتحول الاحتجاجات في غزة التي أدت إلى قتل الكثير من الفلسطينيين إلى عصيان مدني أكثر انتشاراً وعنفاً، لكن لا يمكن لإسرائيل أن تحول تفوقها في القوة - وحتى تحالفها الوثيق مع ترامب - إلى نصر دائم، لأنه مهما فعلت، سيظل الفلسطينيون موجودين على الأرض.

*مراسل الإندبندنت في الشرق الأوسط

 

 

 

Email