ترامب وكيم في مينا هاوس

ت + ت - الحجم الطبيعي

عودة إلى التاريخ، إلى سطح الإهرامات، إلى الفندق الشهير «مينا هاوس»، هنا القاهرة، مصر على موعد مع الزعماء الثلاثة، اليوم 27 نوفمبر عام 1943، والحدث هو إعلان استقلال شبه الجزيرة الكورية، التي كانت اليابان قد احتلتها بعد الحرب الكورية اليابانية عام 1905.

ذاكرة فندق مينا هاوس لا تزال تحتفظ بصورة للزعماء، ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني، تيودور روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وتشاي كي شيك رئيس الصين، وهم يقررون إعلان استقلال كوريا، وتكتب القاهرة وثيقة استقلال الشمال والجنوب الكوري، إذ كانت كوريا دولة واحدة في ذلك الوقت، قبل أن تندلع الحرب الكورية عام 1950، التي انتهت عام 1953، لينقسم الشعب الواحد إلى دولتين.

75 عاماً مضت من عمر الفندق الشهير، ليبتسم من جديد، ويجدد الدعوة مرة ثانية، ليعيد كتابة التاريخ الكوري مرة أخرى، ولمَ لا، فالقاهرة ومنطقة سطح الإهرامات، التي شهدت استقلال كوريا، يمكن أن تكون المكان الذي يعلن من خلاله انتهاء الحرب بين الكوريتين، ونزع السلاح النووي والصواريخ الباليستية من شبه الجزيرة الكورية، إنها فكرة من الممكن تكرارها، لا سيما أنه لم يستقر، حتى كتابة هذه السطور، على المكان والزمان اللذين ستنعقد فيهما القمة بين الكوريتين، وحسب تصريح لمسؤول بالبيت الأزرق، فإن المواقع المتوقع عقد القمة بها، لا تتضمن الولايات المتحدة أو كوريا الشمالية، ولا المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل الكوريتين، وبالتالي، فإن فكرة عقدها في القاهرة، وربط التاريخ بالمستقبل، ربما تكون فكرة مناسبة جداً، وهذا الاقتراح، إن حدث، فله مكاسب عديدة على جميع الأطراف، فبالنسبة لمصر، فإن انعقاد القمة بين ترامب وكيم جونغ أون، سيوجّه أنظار العالم إلى مصر، والتأكيد على أنها دولة آمنة ومستقرة، وتحمل رسائل غاية في العمق، من أهمها أن مصر التي صنع على أرضها استقلال كوريا، تأتي أيضاً بالسلام والوحدة للشعب الكوري، كما أن الزعيم الكوري الشمالي، ستكون له مكاسب كبيرة أيضاً من عقد قمته ومشروعه على الأراضي المصرية، إذ إنه سيقف في نفس المربع الذي صنع فكرة السلام والاستقلال عام 1943، باستضافته الزعماء الثلاثة، البريطاني والأميركي والصيني.

أما أهم مكاسب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فهي، كسر وتبديد الصورة الذهنية لدي البعض حول أنه غير قوي في العلاقات الدولية، وأنه سيظهر أمام الشعب الأميركي في صورة الرئيس الأميركي روزفلت، الذي كان أحد صقور وثيقة القاهرة عام 1943 بشأن الاستقلال، وأنه إذا كان روزفلت قد أعاد الحرية للشعب الكوري بعد 40 عاماً، فإن ترامب استطاع أن يعيد الأمل للوحدة الكورية بعد 75 عاماً، ومن نفس المكان بالقاهرة.

ربما تكون هذه فكرة يفرضها التاريخ، ليمد جسور السلام والتعايش مع المستقبل، لكن تحقيقها ليس صعباً، بل إنه الأوقع والمنطقي، خصوصاً أن الفكرة تنطلق من ثوابت كان لها مردود وصدى واسعان آنذاك.

الأمل، أن تنتبه أطراف القمة لهذا الاقتراح، لكن كل الآمال في أن تتحقق هذه القمة، وأن ينجح كيم في تعهداته التي قطعها على نفسه، بشأن انتهاء الحرب بين الكوريتين، ونزع السلاح النووي بالكامل من شبه الجزيرة الكورية، وكذلك تفكيك المنشآت النووية علناً أمام وسائل الإعلام العالمية، وأن يلتزم الشمال بتقديم ساعته 30 دقيقة، ليتزامن توقيته مع توقيت كوريا الشمالية.

الاجتهادات كثيرة ومتعددة حول قرار رئيس كوريا الشمالي في اتخاذ هذا القرار، لكن في جميع الأحوال، فإنها خطوة ستكون لها مكاسب استراتيجية على شعب الكوريتين، الشمالي والجنوبي، اقتصادياً في المقام الأول، ثم سياسياً، فضلاً عن أن هذه الخطوة، إن اكتملت تعهداتها، فإنها كفيلة بإعادة رسم خرائط السلام، بدلاً من الخرائط النووية.

Email