حفتر ما بعد باريس

ت + ت - الحجم الطبيعي

حفتر سافر للعلاج في باريس، حفتر في حالة خطرة جداً، حفتر أصيب بسكتة دماغية، رجاله يتنافسون على مقعده، مستقبل غامض ينتظر ليبيا بعد حفتر.

تصدرت هذه العناوين الأيام الماضية وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، تحت إشراف مباشر من الإخوان وميليشياتهم، بصمة قطر وتركيا واضحة، الرهان الإخواني على تأزيم المشهد لم يكن يحتاج إلى دليل، لكن سرعان ما توارى هؤلاء الإخوان وقواعدهم وداعموهم خجلاً بعد أن أطل المشير خليفة حفتر، مساء الخميس الماضي في بنغازي.

وألقى كلمته وصافح الجميع، وظهر في كامل صحته، لتسقط أوهام وأحلام ورهانات الكارهين لعودة الدولة الليبية، رغم أنها ستعود ولو كره الكارهون.. ستعود بقوة جيشها الوطني المتماسك، ورجاله المخلصين، ستعود لأن جيرانها من الدول العربية لن يتخلوا عنها، وسيدعمونها ولن يتركوها مطمعاً لميليشيات إرهابية تخريبية.

لكن الواقعة كشفت عن العديد من الدلالات، في مقدمتها: المتربصون والمتآمرون الذين تاجروا بالواقعة، وأقاموا منصات الشائعات، لمحاصرة معنويات هذا القائد الوطني، الذي أخلص طوال سنوات توليه المهمة لوطنه، وواجه الإرهاب بكل قوة، وتوسع في إعادة السيطرة على أكبر جزء ممكن من الحدود الليبية، التي ظن الإرهابيون أنهم سيطروا عليها، كما أن هذه الواقعة أكدت بما لا يدع مجالاً للشك، تماسك رجال المشير حفتر ورفقاء دربه، من قيادات المؤسسة العسكرية، وأكدت مدى إخلاصهم لقائدهم.

وبدا ذلك واضحاً في تصريحات للفريق عبد الرازق الناظوري، رئيس الأركان العامة، عندما أكد وحدة الجيش العربي الليبي، بقيادة القائد العام المشير خليفة حفتر، لافتاً أنه كان على تواصل مستمر معه في أثناء وجوده في رحلة العلاج بباريس، وأنه بصحة جيدة، وأنه سيعود خلال أيام.

وهنا تكشف تصريحات الفريق الناظوري عن أن القوات المسلحة الليبية تعمل وفق عمل عسكري منظم، ونراتبية متماسكة، وهذا في حسابات الواقع، شيء يبشر ويطمئن على مستقبل الدولة الليبية وخطوات الاستقرار التي تقبل عليها.

أيضاً، أكدت واقعة غياب المشير حفتر لأيام عدة أنه لا صحة لما تردد عن وجود خلافات وصراعات بين جنرالات الجيش الليبي، حول خلافة حفتر، وإن كنا نعرف جيداً أن الذي روّجها هو الإعلام الممول من قطر.

مكاسب عدة وقراءات جديدة، أثمرت عنها فترة علاج قائد الجيش الليبي، لا شك أنها ستضيئ الطريق أمام المشير في حساباته المقبلة بشأن المشهد السياسي الليبي.

أما المكسب اللافت للنظر، الذي يستحق التوقف أمامه، فهو الشعبية الجارفة التي كشفت عن نفسها أثناء فترة علاجه، وحرص الليبيون على التمسك بهذا القائد، واضعين في الاعتبار ما تحقق على الأرض منذ أن تولى مهمته، كقائد للجيش الليبي، فقد حفظ له الشعب الليبي أنه نجح مع رجاله في تحرير مدن كاملة من قبضة الآلاف من الميليشيات والتنظيمات الإرهابية. وعلى الأرض، فإن المشير حفتر يقف على مشارف طرابلس غرباً وجنوباً، وأنه استطاع أن يخلق حالة من الانتماء والولاء بين قادة الجيش الليبي يصعب اختراقها.

لو اعتبرنا ما سبق ذكره تفاصيل لمشهد يعكس قيمة ومكانة المشير حفتر لدى شعبه وقادته، فيجب أن نضع هذا المشهد أيضاً ضمن حسابات مشاهد خطرة تمر بها ليبيا الآن، فالوضع على الأرض يؤكد أن أطرافاً عدة تقف حول ليبيا، من بين هذه الأطراف الدول العربية الفاعلة مع القضية الليبية مثل؛ مصر والإمارات والجزائر وتونس، والطرف الثاني هو طرف دولي يتمثل في أميركا وروسيا، أما الطرف الثالث فعنوانه الإقليم الأوروبي، وهنا علينا الانتباه إلى أن الصراع على ليبيا كبير، ومن الممكن أن يطول أمده، وأن الطرف الذي تمثله الدول العربية، هو الأكثر إخلاصاً وصدقاً في مساندة ودعم الدولة الليبية، وعودة الاستقرار إليها.

 

 

Email