الضربة.. ومسلسل مفاجآت تركيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

صدى الضربة العسكرية الثلاثية التي شنتها كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، بداية الأسبوع، ضد أهداف محددة في سوريا تحتاج إلى إجراءات لدراستها وتحليل مضمونها.

فأغرب تلك المواقف جاء من تركيا حيث فاجأ الرئيس رجب طيب أردوغان الجميع وأثار دهشتهم ليس فقط من حيث تأييده للضربة (المحدودة جغرافياً، وسياسياً، وعسكرياً)، ولكن من حيث سرعة ردة الفعل، حيث جاءت بعد وقت قصير بل هو يعتبر واحداً من أسرع المواقف التي صدرت، وتبقى الأصداء الأخرى أنها كانت في دائرة التوقعات سواءً في المنطقة أو في العالم.

ليس سراً أن سوريا بعد مرور حوالي سبع سنوات لم تعد إلا ساحة للتنافس الدولي والإقليمي، وبالتالي الكلام عن أي ضربة أنها من أجل حماية الشعب السوري لا أساس له على أرض الواقع، على اعتبار أن النظام السوري لم يعد عنصراً فاعلاً في المشهد السوري.

لذا فإن مبرر الموقف التركي بأن الضربة لوضع حد لتجاوزات النظام السوري لا يمكن قبوله بحيادية بل إنه مع كل ضربة يكون هو الضحية الوحيدة في هذه الحرب، وبالتالي فإن الهدف الواضح من الضربة هو روسيا وإيران، وما عدا ذلك فإن الأمر يخفي أشياء أخرى!!

إن ما نناقشه هنا ليس شخص الرئيس ولكن فكرة التقلبات السياسية في العلاقات الدولية التي ينبغي أن تتسم بالحذر والهدوء، وعدم الانتقال من موقف إلى آخر بدون أي حسابات، لأن مثل هذه المواقف، في أحيان كثيرة، هي مناسبة لاختبار ثقة الحلفاء الاستراتيجيين الذين يمكن للدول من تمييزهم وأن يتخلوا عنها بسهولة.

كان ظن الكثير من المراقبين في العالم أن الرئيس التركي أردوغان غير متحمس لأي عمل عسكري في سوريا، من باب الحفاظ على وحدة أراضيه.

وذلك حسب ما اتفق عليه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني في القمة الثلاثية التي عقدها في أنقرة، مؤخراً، لكن يبدو أن كفة الحسابات والتحولات الاستراتيجية في المنطقة تتطلب منه أن يؤيد الضربة في وقت مبكر منها معلناً «ضمنياً» تخليه عن الاتفاق الثلاثي تاركاً شريكيه، روسيا وإيران، تواجهان انتقادات الرأي العام العالمي وتتحملان وزر المأساة الإنسانية في سوريا.

ليست هذه سابقة تفاجئنا بها تركيا في تغيير مواقفها السياسية، فسابقاً قطعت علاقاتها مع إسرائيل وشنت حملة سياسية وإعلامية عليها أثناء حصار غزة، إلى حد اعتقد الرأي العام العالمي أنه ربما بصدد شن حرب ضد إسرائيل. ولكن سرعان ما تراجعت عن موقفها وعادت العلاقات الدبلوماسية بينها وبين إسرائيل إلى مسارها الاعتيادي.

كما قد يكون من المبكر جداً أن تكشف العملية العسكرية تداعياتها حالياً من واقع تنازع الإرادات السياسية فيها ما بين إقليمي ودولي، وبالتالي فإن الوضع فتح الباب لكل الاحتمالات بما فيها التقلبات السياسية. وفي هذا الصدد لا بد أن يستوقفنا التأييد التركي السريع مع أننا ندرك البرغماتية السياسية التي يمارسها أردوغان في علاقاته الخارجية لأن الموقف الحالي يظهره وكأنه «متخبط سياسياً» بين المتنافسين الكبار في سوريا.

فسر البعض أن التحول التركي السريع من موقع سياسي إلى آخر يستهدف مسألة الحفاظ على الأمن القومي للدولة، وتأكيداً بأنها ليست مع النظام السوري الذي يقتل شعبه، بقدر ما يريد إيقاف الطموحات الكردية التي أيقظتها الفوضى الأمنية في المنطقة، إلى جانب وقف التمدد الإيراني في المنطقة، وما يهمنا في الأمر أن تركيا لا يمكنها أن تكون حليفاً استراتيجياً بقدر ما قد تمثل في فترة الضعف العربي من منافس إقليمي محتمل في الأرض العربية، وتحديداً سوريا والعراق.

في العلاقات الدولية هناك التزامات بين أعضاء الحلف الواحد تجاه بعضهم البعض، تتطلب منهم الالتزام بها حتى لو كانت مواقف دولة الواحد فيهم تختلف مع مواقف الباقين.

وإلا كانت النتيجة شيوع عدم الثقة بينهم كحلفاء استراتيجيين يعتمد أحدهم على الآخر؛ ويمكن أن تتكرر هذه الخطوة التركية في الموقف تجاه حلفاء أنقرة في سوريا -روسيا وإيران - مع الحليف القطري الجديد في المنطقة، فتنتقل عدوى عدم الالتزام السياسي التركي، فجأة، لتصيب العلاقة مع «نظام الحمدين» الذي يعتمد على حليفه التركي في أزمته مع دول المنطقة.

 

Email