«سيناء - 2018».. لماذا الآن؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أشهر قليلة وفي مناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تكليفاته العلنية المتلفزة مباشرة لرئيس أركان الجيش بتطهير سيناء من الإرهاب في موعد أقصاه ثلاثة أشهر، وبرغم أنه يمكن اعتبار العملية العسكرية الضخمة والشاملة التي أطلقتها القوات المسلحة المصرية في كل ربوع الدولة - وخاصة على أرض سيناء - خلال الأيام الماضية مرحلة من مراحل تنفيذ هذا التكليف إلا أنه من وجهة نظر تحليلية بحتة لا يمكن حصر تحريك جيش مصر بهذا الحجم وبهذا الاهتمام الكبير في ذلك الهدف فقط.

واقع الأمر أن الأمن المصري متمثلاً في قوات الجيش والقوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية وتحديداً المعنية بأمن الدولة ومكافحة الإرهاب قد حققت نجاحاً كبيراً خلال الأشهر الماضية بتوجيه عمليات نوعية ضد بؤر إرهابية عدة وخاصة بعد العدوان المروع على مسجد الروضة في شمال سيناء واستشهاد أكثر من ثلاثمائة من المصلين برصاصات الغدر الداعشية الإرهابية، هذه العمليات النوعية لا شك في أنها الأسلوب الأفضل في توجيه ضربات قاصمة للإرهابيين، أغلب الظن أنها ستستمر في المراحل المقبلة، ما يوجد ضرورة لمحاولة فهم أعمق لأبعاد «العملية الشاملة.. سيناء 2018».

من الناحية الأمنية، مصر لا تنام على حرير، داخلياً وخارجياً، فالمكاسب السياسية والاقتصادية والأمنية التي تحققت في البلاد خلال السنوات القليلة الماضية وجعلت عجلة الحياة والإنتاج والتنمية والتفاعل الإقليمي والدولي لسياساتها تدور بشكل طبيعي، هي في حد ذاتها أسباب لدفع قوى خارجية وتنظيمات متطرفة - لا تريد خيراً لهذا البلد - لشن ضربات ارتدادية تستهدف إجهاض المشروع الجديد، وهذا الخطر في حد ذاته يستوجب موقفاً حاسماً وحازماً من الدولة المصرية لحماية المكتسبات الأخيرة ومشروعات المستقبل، ولعل على رأس أهداف العملية «سيناء-2018» تأكيد هيمنة وسيطرة الدولة المصرية على كل أراضيها ومقدراتها، إضافة إلى قدرة قواتها على الانتشار السريع في كل ربوعها، وهذا هدف مهم في حد ذاته ولكنه يمثل كذلك رسالة متعددة الأوجه..

من حيث المبدأ فإن مصر مقبلة على استحقاق رئاسي جديد خلال الأشهر القليلة المقبلة، يجب أن تجري وسط أجواء آمنة ومستقرة، وفي السياق ذاته فلن يكون أمام الرئيس السيسي ما هو أفضل من دولة آمنة ومستقرة، خالية من الإرهاب والتطرف، لتكون على رأس أوراق اعتماده في سعيه لولاية ثانية، وهو الذي يتمتع بالفعل بشعبية كبيرة مدعومة بكثير من الأسانيد والإنجازات سبق الخوض فيها أكثر من مرة، تلك أيضاً رسالة داخلية مهمة بشأن جاهزية القوات المسلحة واستعدادها للزود عن ربوع الوطن وحدوده ضد مختلف الأخطار في ظل وجود قيادة واعية.

وفيما يتعلق بمسألة تأمين الحدود على وجه الخصوص، فالأهداف والرسائل متعددة ومتنوعة خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن العمليات العسكرية الأخيرة لا تشارك فيها قوات برية أو جوية فحسب ولكن أيضاً قوات بحرية، وليس خافياً أن الحدود المصرية مترامية الأطراف على الصعيدين البري والبحري، ومساحات ضخمة منها معقدة أشد التعقيد بسبب تضاريسها وطبيعتها الجغرافية، وهو ما يفسر نشر هذا العدد الضخم من عتاد وعديد القوات المسلحة المصرية بكل فروعها وتشكيلاتها وتأكيد قدرتها على الوصول لكل المناطق الحدودية.

على صعيد آخر يمكن رصد ثلاثة تطورات أبرزتها وسائل الإعلام العالمية في الأيام الماضية، ولها بالتأكيد ظلال مباشرة على أمن الدولة المصرية وسيادتها على أراضيها، التطور الأول ذلك المتعلق بخطط الجيش الليبي شن عمليات ضخمة في إقليم درنة لتطهيره من العناصر الإرهابية. وقد بات هناك ارتباط وثيق بين الأوضاع الأمنية في ليبيا وانعكاساتها على الأراضي المصرية.

أما الحدث الإقليمي الثاني فيتمثل في التطورات الخطيرة التي ظهرت في شرق المتوسط بعد إعلان مصر عن تشغيل حقل «ظهر» للغاز الطبيعي وتدشينه بحضور الرئيس السيسي، فقد أعلنت القاهرة رفضها التام للتحرشات التركية بزعم عدم اعترافها باتفاق ترسيم الحدود بين مصر وقبرص، وخروج القوات البحرية للمشاركة في عمليات «سيناء – 2018» هو في الغالب رسالة واضحة في هذا السياق، لتأكيد قدرة مصر على حماية حدودها ومصالحها البحرية.

أما الحدث الثالث، وسواء أكانت له ظلال من الصحة أو أنه كاذب تماماً، فهو ذلك المتعلق بتواتر أنباء عن قيام مروحيات إسرائيلية بعمليات في سيناء (!) ربما لمنع مهربين أو متسللين عبر الحدود، وهي أنباء لم تتأكد تماماً، ولكن العمليات العسكرية المصرية في أعقاب هذه الأنباء هي خير رسالة بأن مصر تفرض سيطرتها وهيمنتها على كل ربوع شبه جزيرة سيناء وبأنها قادرة على نشر الأمن فيها، وأن أي تجاوزات داخلية أو خارجية من الممكن ردعها بقوة عسكرية شاملة.

Email