رسائل وزراء الخارجية العرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء اجتماع وزراء الخارجية العرب بجامعة الدول العربية يوم الخميس 1 فبراير الجاري ليحمل العديد من الإشارات والرسائل المهمة بالنسبة لقضية القدس وقرار ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، في مقدمة هذه الرسائل أن القضية تشكل أهمية قصوى بالنسبة للعالم العربي، وأن أية مساع لتغيير هويتها التاريخية والجغرافية والدينية بمثابة درب من دروب قلب موازين المنطقة، فضلاً عن تأكيد الاجتماع على فلسفة العمل العربي تجاه هذه القضية الذي يعتمد على التدرج والتضييق بما يضمن أن تبقى قضية القدس حاضرة وبقوة على المسرح الدولي، ففي ظل الانعقاد الدائم لجامعة الدولة العربية صار الموقف العربي حيال القدس واضحاً وقاطعاً أمام ترامب وإداراته، وخاصة بعد أن استمع مايك بنس نائب الرئيس الأميركي من الرئيس عبدالفتاح السيسي والملك عبدالله بأنه لا سلام دون دولة فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وعاصمتها القدس.

تأتي في مقدمة رسائل وزراء الخارجية العرب كلمة السفير أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في اجتماعها الأخير، إذ أشار إلى أن المساس بمستقبل القدس لن يقبله عربي واحد مسلم أو مسيحي، وأن العبث بهذا الملف لعب بالنار ودعوة لانزلاق المنطقة إلى هوية الصراع الديني والعنف والإرهاب، كلمة أبوالغيط رسالة كاشفة لفلسفة استمرار الضغط على الرئيس الأميركي والإصرار على عدوله عن قراره الذي يحوي تحدياً صارخاً للنظام القانوني الدولي ويؤدي واقعياً إلى إجهاض أهم قواعد القانون الدولي المعاصر وهي القاعدة التي تنص على تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية، فرغم أن قرار ترامب رفضته الأكثرية في العالم أثناء عقد الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر الماضي، إذ صوت لصالح القضية 128 بما يؤكد حالة تقترب عن الإجماع الدولي على بطلان القرار وعدالة الموقف الفلسطيني، إلا أن ترامب أراد القرار في هذا التوقيت لأهداف تتعلق به وبإدارته في مقدمتها توجيه أنظار العالم عن الصراعات الدائرة داخل المجتمع الأميركي وعن التحقيقات التي تجرى الآن مع مسؤوليه.

اللافت أن ترامب يواصل عناده ويكشف نواياه الحقيقية تجاه القضية الفلسطينية برمتها مواصلاً ذلك بقراره قطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، وبخصوص هذا القرار تشير بعض المعلومات إلى أنه بقطع التمويل سيتم حرمان نصف مليون طفل في قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان من التعليم وسيتم الزج بهم في الشوارع المضطربة في توقيت تسعى فيه الجماعات المتطرفة إلى تجنيد مثل هؤلاء الأطفال.

إذن ترامب أطلق صافرة الانحياز الصارخ لإسرائيل، وتخلى عن دعواته السابقة في الوصول إلى حل بشأن القضية الفلسطينية، واستكمال مفاوضات السلام بين الدولتين لاسيما أن صار طرفاً أصيلاً في الجانب الإسرائيلي وكشف عن مواجهة علنية ضد القدس وأطفالها مدوناً ذلك بأن أميركا ستنتهج سياسة خاصة مع أي دولة في العالم لا تتماشى مع آرائها.

ترامب واضح .. يعمل لمصلحة إدارته ولمصلحة إسرائيل ولمصلحة اليهود الذين ساعدوه في الانتخابات الرئاسية وقطع أمامهم وعوداً بشأن القدس عاصمة لإسرائيل. لم يبق شيئاً في الخفاء .. أرسل نائبه في جولة عربية لكنه لم يحمل كلمة واحدة إيجابية من شأنها فتح آفاق جديدة لبريق أمل في هذه القضية، بل كان مؤكداً ومؤيداً بكل قوة لقرار رئيسه بتسليم القدس كعاصمة لإسرائيل.

هذه رؤية ترامب وإدارته، لكن علينا نحن العرب انطلاقاً مما أسفر عنه اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب مواصلة الانعقاد الدائم وتطوير آليات التضييق على قرار ترامب ومواصلة العمل مع المجتمع الدولي وإنذار إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإنهاء احتلالها اللاشرعي واللاقانوني لجميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ الرابع من يونيو عام 1967، والتأكيد على أن أية محاولات لتغيير الوضع القانوني والتاريخي القائم بالقدس والاعتداء على مقدساتها الإسلامية والمسيحية يصنع عنفاً واستفزازاً لمشاعر المسلمين والمسحيين. وفي النهاية لا عرب من دون فلسطين ولا فلسطين من دون قدس .. فالعالم واحد .. والقدس واحدة.

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

Email