الإمارات جسر الاستدامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتناول الفيلم الأميركي الكوميدي داون سايزينغ Downsizing فكرة غاية في الغرابة، ولكنها ربما تكون الأكثر نجاحاً لإيجاد حلول لمشاكل البيئة وأزمة الغذاء والمياه والطاقة التي تواجهها أغلب دول العالم، حيث يعرض الفيلم فكرة تصغير الإنسان عن طريق إجراء طبي ثوري يقوم بتقليص حجم الإنسان ليصبح قزماً.

وفي المقابل ينعم هؤلاء المتحولون بحياة أكثر رفاهية وجودة، حيث إن زجاجة مياه واحدة تكفي مدينة بأكملها، بالإضافة إلى سهولة إنشاء مدن وخطوط نقل ومساكن لهؤلاء المتقلصين، مما يحل الكثير من المشاكل التي نعاني منها في هذا العالم ونحن بأحجامنا الطبيعية.

صحيح أن الفكرة غريبة ومن وحي الخيال، ولكنها طريقة فعالة لحل مشاكل البشرية، فإلى الآن لم تتخذ أغلب دول العالم المنهج الصحيح للمحافظة على مقدرات الأرض، وفي ظل استنزاف الإنسان لجميع مقدراته بات الحصول على المياه الصالحة للشرب أو حتى الغذاء أمراً في غاية الصعوبة، وعام بعد عام تصبح المسألة أكثر تعقيداً، والحلول كلها تنهار أمام الواقع الذي تواجهه حكومات العالم، خصوصاً وأن أعداد السكان في زيادة مستمرة وبطريقة مرعبة.

ذكر تقرير أممي أن عدد سكان الأرض حتى نهاية عام 2017 قد تجاوز 7.6 مليارات نسمة، في حين أنه من المتوقع أن يصل إلى 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050، وهذه الزيادة بالطبع ستزيد من عدد الجياع في هذا العالم والذي يبلغ حالياً نحو 795 مليون شخص لا يجدون طعاماً كافياً للتمتع بحياة صحية نشطة، فكم سيصل خلال الثلاثين عاماً المقبلة؟! وهذا ليس التحدي الأوحد، إذ تشير التقارير إلى أن الكوارث الطبيعية في زيادة عاماً بعد عام، والتي تقضي على الكثير من الثروات الطبيعية والزراعية والحيوانية.

فكيف سيعالج العالم هذه المعضلة، وكيف سيسد الحاجيات الغذائية ويصل للأمن الغذائي؟! تبقى جميع الفرص المتاحة فرصاً غير مثمرة إذا بقيت دول العالم وشعوبها تنظر إلى المسألة نظرة المتسوق في المحال التجارية، والتي تجد أمامها جميع الاحتياجات، فكيف لها أن تعلم بحجم المشكلة وتقدرها؟!

الإمارات تسعى بمحاولات حثيثة للقضاء على الجوع في العالم، وقد قامت في عام 2010 بإنشاء مركز الأمن الغذائي في العاصمة أبوظبي، ويختص المركز ببحث كافة السبل والحلول للوصول لهدف الأمن الغذائي داخل الدولة، وأيضاً المساهمة في إنقاذ العالم من هذا الخطر الذي يهدد حياة البشرية، ويعنى المركز أيضاً بتطوير سياسات وتشريعات متوازنة وخطط طوارئ وأزمات فعالة، والعمل على رفع الوعي المجتمعي بهذه المشكلة وكيفية علاجها، وتطوير دور الفرد باعتباره المستنزف الأول لهذه الموارد.

دولتنا لم تقف عن هذا الحد من المساهمة الفعالة لإيجاد الحل لأكبر خطر يهدد البشرية بعد الحروب، إذ تعمل حكومتنا على تبني المشاريع المستدامة، والتي تحافظ على مقدرات الأرض وتحافظ على البيئة، وفي كل عام تخصص العاصمة الحبيبة أبوظبي أسبوعاً كاملاً للاستدامة، والذي يشارك فيه أكثر من 175 دولة، وتشارك أكثر من 600 شركة متخصصة في مجال الأمن الغذائي والمائي، والطاقة المتجددة والمستدامة، والذي يهدف بمجمله إلى إتاحة الفرص أمام حكومات العالم والشركاء المعنيين بهذا الخصوص لتبادل المعرفة والخبرات لمواجهة التحديات المستقبلية والخطر الذي يهدد كوكبنا.

عندما تتجه الإمارات نحو تقديم وزيرة دولة مسؤولة عن ملف الأمن الغذائي المستقبلي للدولة يشغل منصبها معالي مريم بنت محمد سعيد حارب المهيري فاعلم أن دولتنا تواجه هذا التحدي بحزم وحرص كبيرين لإيجاد حلولٍ منهجية لخطر كبير قد يهدد حياة الكثيرين.

ولنا في هذا المقال أن نؤكد أن قضية الأمن الغذائي قضية وطنية تتطلب من جميع الأفراد قبل المؤسسات أن يكونوا معنيين بإنجاحها وإنجاح ما تنتهجه الدولة لحفظ ما ننعم به من خير لأجيال المستقبل، وما تؤكد عليه قيادتنا أن مستقبل الإمارات مستقبل مستدام علينا أن نتحضر ونحضر عقولنا لقبوله والمضي في خططه.

على وزارتنا أن تكثف الجهود والعمل مع الشركاء الإعلاميين داخل الدولة لتغيير منظومة السلوكيات المجتمعية، وتعمل على إيجاد سلوكيات مسؤولة تجاه هذا الملف الخطير، فربما يظن البعض أنه معفى من المشاركة في هذه المشكلة، في حين أننا كأفراد علينا الدور الأكبر في الاقتصاد وحفظ النعم، سواء في المأكل وأيضاً في المشرب.

فالإسراف والتبذير وعدم المبالاة من قبل أفراد المجتمع لهو المشكلة الأكبر التي تواجهها أي منظمة أو مؤسسة أو حتى وزارة، وهو ما يعيق تقدم أي خطة توضع، وتبدد أي مساعٍ للوصول لحل شامل لخطر قد يداهمنا جميعاً.

القيادة الإماراتية تفكر بمستقبل مستدام لدولتنا ولمجتمعاتنا، وهذا ما على العالم أن ينتهجه، وأن يأخذ من تجربة الإمارات خصوصاً في توفير واستحداث منصات للطاقة البديلة، بداية من مشاريع توليد الطاقة الكهربائية عن طريق اللوائح الشمسية، وصولاً لتحويل النفايات إلى طاقة كهربائية، والكثير الكثير من البرامج التي تهدف جميعها لتحسين مستقبل كوكبنا.

العالم الآن يواجه معضلات كثيرة في هذا الملف، والعمل بشكل منفصل لن يوجد الحل المثالي، وإنما الحل يكمن بالتشارك، وهذا ما تعمل دولتنا من أجله بإيجادها واستضافتها لأكبر التجمعات المتخصصة في هذا المجال لتبني جسر الاستدامة بين شعوب العالم وحكوماتهم ومنظماتهم، كجزء مما تقدمه الإمارات لخدمة كوكب الأرض ومن يعيش عليه ممن نتشارك معهم بشريتنا وحاجياتنا واحتياجاتنا الأساسية.

 

 

Email