مصطلح المستقبل في الفكر الإماراتي

ت + ت - الحجم الطبيعي

من يريد أن يعرف حالة الشعوب عليه أن يعرف الشأن الذي يشغلهم ويسيطر على القدر الأكبر من تفكيرهم قيادة وشعباً، وأن يقوم بما يمكن أن نسميه البحث الدلالي للمصطلحات المستخدمة في خطاباتهم الإعلامية والفكر السياسي وكذلك بين بعضهم البعض.

ولا شك أن تلك حالة كاشفة لحالهم ونظرتهم إلى ما هو قادم، أقول هذا بعد أن طوفت في اللغة المستخدمة على الساحة الوطنية من لدن القيادة الرشيدة على مدار عقود سنجد أن مصطلحات مثل التميز والتي تجعل من العمل المعتاد أو المألوف غير ذي صفة، ثم الرضا والتي تعني جودة الخدمات المقدمة وجودة الحياة ذاتها.

ثم ترتقي إلى السعادة وهو الحالة الأكبر من الرضا والانتقال إلى مرحة أعلى من الأداء ودرجة أكبر من الانتماء، ثم الإبداع والابتكار وهو الأمر الذي جعل أبناء الوطن والمقيمين على أرضه في حالة استنفار عقلي دائم تحولت به الإدارات والهيئات العامة والخاصة إلى مراكز لإنتاج الأفكار.

ثم القاسم المشترك لكل ذلك مصطلح "شباب الوطن" - بشقيه ذكوراً وإناثاً - بما يعني أن تلك المهام الجسام التعويل فيها على الشباب الذين يملكون مهارات الجسارة والإقدام والقدرة على المغامرة المحسوبة والمحسومة للوصول إلى الرقم واحد وهو المصطلح الذي يعني عدم القبول بغير المقدمة في مختلف المجالات.

ولكي لا يكون كل ما سبق حالة من التمنيات من منطلق الحماسة الوطنية نجد أن كلمة المستقبل هي الحاضر الغالب المؤطر والسياج الذي يدور في إطاره هذا الحراك الفكري والروح الوطنية، ومصطلح المستقبل ستجده الحاضر الأعظم في فكر وحركة القيادة الرشيدة، والتي تسعى إلى تكريسها في جميع المناشط الوطنية.

الأمر الذي ينعكس لا محالة على التخطيط لما هو قادم والتعامل مع الحاضر من ذات المدخل، بحيث تكون المسيرة الآنية في ذات الطريق الفسيح للمستقبل الذي يتطلب الاستعداد له بما نحن أهل له، وكذلك بقدر التحديات التي نواجهها والمكتسبات التي يجب الحفاظ عليها.

ولا شك أن استخدام مصطلح المستقبل وتكريسه في خطاب القيادة الرشيدة ونقله إلى مختلف المستويات الفكرية والإدارية يحمل دلالات كثيرة، المستقبل يعني الاستدامة؛ أي أن الخطط كافة التي نقوم بوضعها لا تخدم حالات وحاجات آنية فحسب.

بل إنها بالأساس لتلبية متغيرات قادمة، المستقبل يعني التخلص من حب الذات وتحقيق متطلبات الجيل الحالي من دون النظر إلى الأجيال القادمة وحقهم في أن يكون واقعهم لا يقل عن حاضر أسلافهم إن لم يكن أفضل، المستقبل يعني الرؤية والقدرة على التحليل والنظر من خارج صندوق الحاضر الذي قد تحول تحدياته ومتطلباته الضاغطة وجلبتها من دون النظر إلى خارج الأطر وتعقيداتها، وهو يعني تكريس الأمل والقيادة به، وهو الأمر الذي يخرج من مكنون القدرات الذاتية للشعوب أفضل ما لديها وما لم تكن هي ذاتها تتوقعه، والقيادة بالأمل تعني القدرة على الفعل.

وهو الأمر الذي جعل القيادة والشعب لحمة واحدة، وجعل النسيج المجتمعي ووشائجه أشد قوة، وجعل من الشدائد الفرصة التي تظهر المعدن الأصيل لشعب الإمارات الذي أسعد المحب وأبهر المتابع.

إن تكريس مصطلح المستقبل يعني القدرة على التحمل، كما يعني ارتفاع سقف الطموح، الأمر الذي جعل الإمارات تتطلع إلى كوكب غير الكوكب، وتجعل من الفضاء ميدانا للبحث والمعرفة، كما يعني ارتياد غير المألوف والانتقال بالفكر والعمل إلى ميادين أرحب تتطلب مهارات أدق وقدرات أكبر وعلوماً أكثر تخصص، وهو ما من شأنه أن يؤثر في منظومات عمل كثيرة، وهو ما يجعلنا نؤكد أن البحث في المستقبل يعني الحاضر ويجعل منه باباً لارتقاء المعالي.

إن الحديث الدائم عن المستقبل يعني الاعتزاز بالماضي من دون الركون إليه فحسب، كما يعني امتلاك الحاضر من دون الاكتفاء بما تم فيه من إنجازات كبيرة ومبهرة وغير متوقعة، لكن عزائم الرجال لا تلين وطموحاتهم لا تتوقف. كما أن الحديث عن المستقبل يعني الوعي والقراءة الاستشرافية لمتغيرات لن يكون فيها نصيب إلا للمبادرين القادرين على أن يكونوا في القلب من وضع قواعد السير إليه وليسوا في موقع المراقبين المنظرين لتأثيراته ليصبح حالهم فعلاً وليس رداته.

إن سر تفوق اتحاد الإمارات منذ عهد المؤسسين، ومن الخلف الذين حملوا الراية وصعدوا بها، أن قراءة المستقبل كانت هي الحاضرة دائماً، وامتلاك إرادة مواجهة تحدياته، فضلاً عن العمل المخطط الدائم والمستمر، كانت الأدوات الفاعلة في تحقيق النجاحات غير المسبوقة والتي جعلت من الإمارات درة التاج بين الأمم، ومن سيرتها ومسيرة رجالها تستلهم الدروس والعبر.

 

 

Email