إرهاب السمع والطاعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان لـ «محمود عبد اللطيف» أحد أفراد التنظيم السري لجماعة «الإخوان» والمنفذ للمحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في حادث المنشية بالإسكندرية اعتراف كتبه بخط اليد وسلمه للمحكمة جاء فيه «كنت أسمع كل أمر في طاعة، دون تردد أو مناقشة لأن هذا صادر عن أناس مسلمين»، وما كان تنفيذه لعملية الاغتيال إلا تطبيقاً وامتثالاً للأوامر التي وجهت له من قِبل قادة الإخوان.

نستطيع هنا أن نرى وجهاً آخر للإنسان، وهو ذاك الوجه الذي يتصرف بعيداً عن حقيقته، وكأنه شخص آخر مختلف ينفذ أوامر أشخاص آخرين دون إدراك أو تفكر فيما إذا كان يجب عليه القيام بهذا الفعل من عدمه.

الخطورة التي لعب عليها الإخوان في إنشاء هذا المفهوم أنهم لعبوا على السلطة الدينية، ومثلوا هذه السلطة بمقام المرشد العام للإخوان وكأنه هو الشخص الآمر الناهي الذي يدل الناس على مصائرهم ويكتب لهم حياتهم وهم عليهم تنفيذ هذه الأوامر سمعاً وطاعة، وكأن عقولهم التي وهبها الله لهم ما هي إلا أمانة عليهم إرجاعها سليمة يوم القيامة، أما مرشدهم وقياداتهم فهي من لها حق الاستخدام.

إن جميع الأحزاب والجماعات الإرهابية المتطرفة عملت على إيجاد مفهوم السمع والطاعة كأحد مقومات السلطة التي من خلالها يجبرون الأشخاص على تنفيذ أوامرهم مهما كانت شنيعة وخطيرة، وبخلاف جميع السلطات المتنوعة في المفاهيم الإنسانية، يلتف هؤلاء على السلطة الدينية «سلطة الثواب والعقاب».

ولأنها الأقوى والأسرع تأثيراً في النفس البشرية يوظفونها ويجعلونها مبرراً يقودون به أفراد التنظيم ويقتادونهم للهلاك وهم فرحين مسرورين وإن حاول أحدهم التفكر أو السؤال نهروا في وجهه بوجوب السمع والطاعة، فهذا قسمهم وهذا ولاؤهم وهو انتماؤهم الأول والأخير، ومن هنا نكتشف أن جميعهم لديهم ولاء وسمع وطاعة لمرشدهم لقائدهم لرئيس حزبهم أكثر من طاعة الله ورسوله حتى وإن كذبوا ونافقوا.

يقول مؤسس الجماعة الإرهابية «حسن البنا» في كتابه (رسائل الإمام) في رسالة التعاليم تحت عنوان (أركان البيعة): «نظام الدعوة في هذه المرحلة صوفي بحت من الناحية الروحية، وعسكري بحت من الناحية العملية.

وشعار هاتين الناحيتين (أمر وطاعة) من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج»، وهذا إن دل على شيء فيدل على أن جميع أفراد التنظيم يرون ويسمعون ويتكلمون ويفهمون كما يرى ويسمع ويتكلم ويفهم البنا أو من خلفه في إرشاد الجماعة، وكأن هؤلاء اصطفاهم الله ووهبهم عقولاً توازي عقول الآلاف من عقول تابعيهم ومتبوعيهم!!

وإن في مسألة «السمع والطاعة» لأمر خطير جداً، فوجود هذه القواعد وما يعزز من تأثيرها من سلطة دينية، وتحويل هذه السلطة لسلطة عسكرية إجرامية لهو السبب الأول للجرائم الإرهابية جميعها، والمنفردة منها أو ما يسمى «بالذئاب المنفردة» على وجه الخصوص، فهذه الجرائم يُقدم منفذها على إلحاق الأذى بأناس لا يجمعه بهم أي عدائية شخصية إنما السمع والطاعة وتنفيذاً لأوامر حزبه أو جماعته أو تنظيمه يفجر بهؤلاء أو يسفك دماءهم بإجرام مبرر بالنسبة له، فهو لا يرى في تصرفه أي خطأ، فما فعلته إلا أمراً بسيطاً «أوامر يجب تنفيذها».

ولذا من المهم جداً أن نقوم بدراسة ما أصله هؤلاء وما استغلوه من أحاديث نبوية شريفة كان من شأنها الحث على وجوب طاعة أوامرهم، فالتأويل الخاطئ لهذه المفاهيم هو من شكل لنا جماعات إرهابية يبايع مرشدها أو أميرها الآلاف من الناس، ومن ثم يبدؤون بتنفيذ رغبات وتطلعات هذا التنظيم في السيطرة على الأراضي والأملاك وتوسيع نفوذهم وسلطتهم وسلطانهم باسم الدين الإسلامي الحنيف.

الدين الإسلامي لم يؤسس يوماً لسلطة مطلقة بيد أي أحد، بل كان منهجه ونهجه الشورى الحقيقية وليس ما تروج لها التنظيمات الإرهابية، فهؤلاء من شدة غلوهم والتشدد لفكرهم الأحادي يقتلون ويقاتلون كل من يختلف معهم في الفكر أو بوجهة النظر، ويمارسون أشد أنواع الإقصاء بحق كل من يحاورهم حتى وإن كان فرداً من قياداتهم، ففي مذكرات الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح القيادي في الجماعة يقول:

«كنا نؤمن بجواز استخدام العنف بل وجوبه في بعض الأحيان من أجل نشر دعوتنا، وكان العنف بالنسبة إلينا مبرراً، بل شرعياً، وكان الخلاف بيننا فقط على توقيته ومدى استكمال عدته»، وهذا أكبر دليل على نهج «الإخوان» من السلطة الفردية وتغييب العقول والعنف والإقصاء للخصوم، وهذا حال جميع الجماعات والتنظيمات الإرهابية.

إن كان السمع والطاعة منهجاً أصيلاً في ديننا الحنيف فيجب أن يكون لله ولرسوله ولولاة الأمر الذين يحملون في أوامرهم سلامة الناس جميعاً الخصوم قبل التابعين، ومعالجة مفهوم السمع والطاعة سيجنبنا الكثير من الجرائم المنفردة التي يُغيب فيها العقول بأمر أمير أو قائد أو مرشد الجماعة.

 

Email