رأي

من يحاكم من؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما ورد أمس في تغريدة معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، حول تقدم ما تسمى بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان التابعة لقطر ببلاغ إعلامي ضد دولة الإمارات العربية المتحدة لمحكمة الجنايات الدولية، والذي، وإن كان يهدف إلى الاستمرار في سياسات إثارة الضجيج التي طالما اعتمدها تنظيم الحمدين، فإنه يطرح السؤال البديهي: من يحاكم من؟ المتورط في دعم الإرهاب أم العامل على محاربته؟ المدافع عن قيم السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم أم الساعي إلى بث الفوضى ونشر الخراب؟ معتنق قيم المدنية والحداثة والتنوير أم محتضن عصابات التطرف والإقصاء والتكفير؟
إن نظام الدوحة، وهو يواصل الإمعان في لعبة الهروب إلى الإمام، يؤكد أن مشكلته لم تعد سياسية أو عقائدية أو ثقافية فقط، وإنما تحولت إلى حالة نفسية مستعصية، هي أقرب إلى ما يسميه علماء النفس بإنكار التأثير الذي يتضمن تجنّب الشخص التفكير في الأذى أو الضرر الناتج عن سلوكياته تجاه نفسه أو الآخرين، بمعني إنكار العواقب، وهذا الإنكار بدوره يمكّن الشخص من تجنّب الشعور بالذنب، وقد يمنعه من تكوين الإحساس بالندم أو التعاطف مع الآخرين، ولذا فإن إنكار التأثير يقلل أو يزيل الإحساس بالألم أو الضرر من القرارات السيئة.


والإنكار عند سيغموند فرويد هو إنكار الأشياء التي تسبب قلقاً أو إنكار كل ما يهدد الذات وإبعاده عن دائرة الوعي، وقد يكون خيالياً في بعض الأحيان، حيث يحاول به الفرد بناء أوهام قائمة على إنكار الواقع ومن ثم التصرف في ضوء هذه الأوهام الذاتية بغض النظر عن مدى تناقضها مع الواقع، كأن ينكر نظام الدوحة علاقته بالإرهاب مدعياً أنه يدافع عن قيم الحرية والديمقراطية، أو تآمره على الجيران والأشقاء زاعماً أنه مع وحدة الصف الخليجي والعربي.


حتى الآن لا يزال نظام الدوحة ينكر دوره في تخريب المنطقة، وفي بث الفوضى في ليبيا واليمن والعراق وسوريا وفي دعم الإرهاب في مصر والقرن الإفريقي والصحراء الكبرى وفي التآمر على دول الخليج العربي، ويرى أنه إنما سبق أن ساعد على تدشين ورعاية ما يسميه بالربيع العربي، منكراً أنه كان وراء قتل الآلاف وتشريد الملايين وإسقاط دول وتمزيق مجتمعات وإهدار ثروات أمة.


وحالة إنكار المجرم لجرمه، يمكن أن تدفع به إلى اتهام غيره بما ليس فيه، كأن يتجه تنظيم الحمدين إلى رفع بلاغات ضد الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، فقط لأنها تعمل على كف أذاه عنها وعن المنطقة والعالم.


وهنا يسأل كل ذي عقل يفكر: من يحاكم من؟ والجواب بسيط: في الحالات العادية الضحية يحاكم الجاني؟ وفي حالات المرض النفسي يمكن أن يعتقد المجرم أنه قادر على محاكمة الأبرياء، بتهمة العمل على منعه من الاستمرار في إجرامه.

Email