زايد القائد الإنسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ساعات قلائل ويقبل علينا عام 2018 يحمل اسم «عام زايد»، وإذا كان في اللغة ما يعرف بعلم الدلالة، ويعنى بما تحمله الكلمات والأسماء من معانٍ، فيكفي أن تقول «زايد» لتتزاحم عليك الأفكار، وتتدفق معها المعاني، وتختلط المشاعر، وتتسابق الكلمات ساعية للتعبير عن تلك الحالة، فتقف عاجزة غير قادرة على الوفاء بما يجيش في النفس، وتحول تلك الحالة من التدفق بينها بين الأحرف والكلمات لتعبر عن حقيقتها، ليصبح الاسم وحده كافيا، ولتترك للنفس التجوال كما تشاء في حدائق المعاني الراقية وبين أزهارها وتتنسم عبيرها لتستمتع بها، ويترك للعقل والفكر التجوال ليتفحص قوة القيم وتكريسها وإرادة الفعل والتصميم، يغلف ذلك تواضع المنتصر المؤسس، كل ذلك يحدث في حديث النفس إلى النفس، وخاصة عندما يكون الزمان قد أكرمك بمعاصرة لسنوات سيرة ومسيرة ذلك القائد، قل الفذ إن شئت أو العبقري وهذا صحيح، والمفكر المبدع وستكون صادقا، وغير ذلك كثير.

ولو تأملت قليلا ستجد نفسك واقفا أمام المعنى الأهم والأبقى وهو «زايد القائد الإنسان» بما تحمله كلمة الإنسان من الروح وجمالها، والعطف وروعته، ولين الجانب وأثره، وصدق الكلمة وجزالتها، وحب الناس وأثره، وحكمة العقل وزينته، وإرادة الفعل ونتائجها، والتصميم على تحقيق الهدف وقيمته، وبسط اليد وغلاه، وحب العطاء ومكانته. ولو توقفت مرة أخرى لتجد نفسك عند الاسم «زايد» لتبحث في حقيقته لتجد أن «معناه: المكثر في العطاء، الغالب في الزيادة على غيره».

أصله «زائد» بمعنى فائض، وتأتي من الخير والنماء. وكأن لكل واحد من اسمه نصيب، وقد كان «زايد»، طيب الله ثراه، اسما وعلما وأثرا وفعلا ومآثر ومدنا وحاضنات خير شيدت دالة باقية في دنيا الناس وفي قلوبهم تحفظ تلك السيرة العطرة لقائد فذ وأب رحيم.

والحق أنه من الصعوبة بمكان أن تتصدر للكتابة حول تراجم الرجال الأفذاذ وسيرهم، وبخاصة من تجذرت محبتهم في قلوب شعوبهم، فضلا عن اتساع الفعل وآثاره، لتجد نفسك أمام سيل هادر من المداخل التي تفتح لك الأبواب على مصراعيها، لتتحدث فتجدك عاجزا من أي باب تدلج، هل من باب المفكر الذي آمن بفكرة الاتحاد، ولما ملكت عليه حياته أسر بها إلى إخوانه، وبقوة الفكرة ومنطقها التف حولها الجميع، لتتغير تلك البقعة من العالم منذ تلك اللحظة، ولتصبح أرضا لتحقيق الأحلام، أم تدلج من باب القائد الأب الذي جعل من نفسه مسؤولا عن شعبه، لا من منطق المسؤولية الوطنية للقائد فحسب بل من منطق الأب الحاني، وتقديري أن ذلك جاء لأنه، طيب الله ثراه، كان بين الناس دوما ولم يكن بعيدا عنهم يوما، ولم يكن بينه وبين من سعى إليه في حاجة حاجبا أو حاجزا، لأجد أمامي بابا واسعا لقائد صلب الإرادة، قوي البأس، الذي يقول له الخبراء أن الأرض غير صالحة لما تصبو إليه من تشييد، وأنها قد تتعرض للهدم، فيقول إذا هدمت نعيد بناءها، أم تدلج من باب القائد الذي لم يعرف التردد أو الوجل أو التسويف والتأجيل، على الرغم من حسابه الدقيق لما يقدم عليه، أم تدلج من باب الحكيم الخبير بالطباع والنفوس القادر على استشراف المستقبل وقراءة القادم من الخطوب والأحداث، وهل الاتحاد ذاته لم يكن نتاج تلك القراءة المبكرة والرائقة لما سيكون عليه المستقبل.

ولبيان ذلك لك أن تتخيل هذه المنطقة من العالم دون دولة الاتحاد لتصاب بالهلع، ولتحمد الله على ما نحن فيه، ولتترحم على من أسس وبنى، وتلبي نداء من حافظ ونمى، جنديا في هذه المسيرة المظفرة، بين هذا وذاك يناديني صوت عال أن هلم من باب القائد المعطاء، الذي وهبه الله نفسا زكية زاكية تشعر بحاجة المحتاج، وتلبي إغاثة المستغيث وتمد يد العون للقريب والبعيد دون بحث عن اسم أو رسم أو تدقيق في العرق والجنس، يكفي أنه إنسان شرفه الله بخلقه وعقله، كل ذلك في سماحة نفس وجميل تواضع دون منٍّ أو انتظار مقابل، فغرس محبته في قلوب العالم شعوبا وقبائل، وآثاره الخيرة شاهدة على مسيرة طيبة وسيرة عطرة، ثم أجدني قريبا من تلك الإرادة الحديدية التي ما أن وجدت أبناء أمتها في ميادين القتال، فقال قولته الخالدة: النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي.

الأبواب كثيرة والمداخل متعددة وعميقة ومن الصعوبة بمكان استخراج كل كنوزها، غير أنك تجد دائما بابا شاهدا كبيرا متسعا وهو أنه «زايد»، رحمه الله، أدرك وهو يؤسس لدولة قوية قادرة تحمي أبناءها وتعزهم وتنشر الخير بين ربوع العالم، أدرك أنه لا بد أن يؤسس لقيم قادرة على حماية الدولة ودفع أبناءها إلى الحفاظ على مكتسباتها، من هنا تستطيع أن تجزم أن زايد، رحمه الله، مؤسس لدولة ذات قيم، وفي ذلك وقفة تطول.

Email