التسامح وقبول الآخر خلاص البشرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعانى العالم الذي نعيش به من ويلات الكراهية والتعصب المصحوبة بالعنف والإبادة والقتل. نجحت أوروبا في الخروج من نفق الحروب الدينية بسبب التعصب لمعتقدات معينة، واعتبارها أنها الصائبة دون غيرها. نجحت المجتمعات الإقطاعية ما قبل الدولة، في التخلص من حرب الجميع ضد الجميع، التي تحدث عنها توماس هوبز، والوصول لفكرة الدولة، من خلال نظرية العقد الاجتماعي لجون لوك وجان جاك روسو.

تنازل الأفراد بمقتضى ذلك العقد، عن بعض من حرياتهم المطلقة، من أجل إقامة نظام وقوانين تطبق على الجميع، وتطور ذلك مع الزمن. نجحت الدول الأوروبية في التخلص من كراهية الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتكوين الاتحاد الأوروبي، وتم تنشئة الأجيال المختلفة على التسامح وقبول الآخر المختلف دينياً واجتماعياً، في ظل منظومة قوانين تحافظ على ذلك، وتحاسب الخارجين عن قواعد التعايش السلمي بين أفراده.

ولكن للأسف، تزايدت في الفترة الأخيرة مع تفشى ظاهرة التطرف والإرهاب والهجرة، مظاهر وحوادث كراهية وتعصب، مثل الاعتداءات على بعض المسلمين من قبل بعض اليمينيين الذين يكرهون الإسلام والمهاجرين.

وفي الجانب الآخر، لم يقصر المتطرفون عن بث فكر الكراهية وعدم قبول الآخر على صفحات الإنترنت وفي بعض المساجد والمدارس والسجون ووسائل الإعلام، وما ينجم عن ذلك من تزايد أعداد المتطرفين، ومن ثم الإرهابيين في عالمنا.

تتفاوت درجات عدم قبول الآخر والتعصب بين المجتمعات المختلفة، وفقاً لدرجة تقدمها الديمقراطي، الذي يعد التسامح أحد مرتكزاته الأساسية.

إن التعصب والكراهية بين الهوتو والتوتسي فى رواندا، أسفرا عن مقتل نحو 800 ألف شخص عام 1994، خلال مئة يوم فقط. إن تلك المذابح الجماعية يصعب استيعابها. كيف يمكن لبشر أن يقتل الآخر بدون رحمة أو شفقة بهذا الشكل الفظيع!، إن مقتل الأبرياء خلال العمليات الإرهابية هو أمر مروع، ولا يمكن تبريره.

يمكن القول إن أساس القتل، هو عدم التنشئة على التسامح وقبول الآخر المختلف من قبل مؤسسات التعليم والإعلام والهيئات الدينية. إن خلاص البشرية من كابوس القتل الوحشي والتعصب الأعمى، يكمن في نشر ثقافة التسامح الغائبة عن الكثير من المجتمعات في عالمنا.

يحتاج عالمنا بصورة ملحة إلى قيام الأمم المتحدة بالتركيز على تلك القضية بصورة كبيرة، لأنها المفتاح لوقف حمامات الدم الناتجة من ضعف ثقافة التسامح. يجب أن تقوم المنظمة الدولية بدور الريادة في هذا الخصوص.

وعلى الدول أيضاً أن تخلق بيئة مشجعة على التسامح وقبول الآخر، من خلال المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية، وتطبيق القوانين التي تجرم كل الأفعال والخطب المناهضة لقبول الآخر، وتطبق تلك القوانين على الجميع.

وعلى مستوى الدول، يجب خلق جهاز يعمل على متابعة نشر ثقافة التسامح وإزالة كل معوقات قبول الآخر من المناهج الدراسية والبرامج الإعلامية والفضاء الإلكتروني والكتب الدينية والخطب الدينية. يضاف إلى ذلك، جهاز آخر يقوم بإحالة الحالات التي يرصدها ضد التسامح إلى الأجهزة الأمنية والقضائية، لمعاقبة مرتكبيها.

إن هذين الجهازين قد يكونان البداية لعملية طويلة، تساعد على خلق البيئة الطاردة لأفكار التطرف والتعصب والكراهية. إن نور التسامح سوف يقضى بالتأكيد على ظلمة الكراهية والتعصب. قد تكون هناك صعوبات في الطريق، ولكن النجاح في تحدي نشر التسامح، قد يخفف من غلواء صعوبات وتحديات الكراهية والتعصب المتأصلة في الكثير من المجتمعات بدرجة أو بأخرى.

إن العالم يتسع للجميع، ويمكن أن يعيش الجميع في سعادة، ولكن النظرة الضيقة التي ترى في وجود الآخر المختلف خطراً على بقائي، هي سبب المآسي التي نعيشها على مر التاريخ بدرجات متفاوتة. إن نجاح الآخر ليس فشلاً لي، فالمجال يتسع لنجاح وتعايش الجميع، لو أدركنا أنها الحقيقة التي يحاربها دعاة التعصب والكراهية.

 

Email