مأزق الأمن الإلكتروني والحريات الشخصية

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط الزخم الدولي الكبير الذي اتسمت به بدايات الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة، برزت قمة فريدة من نوعها، لها أهميتها الخاصة في هذا التوقيت الحساس كونها تجمع بين «السياسي والأمني والفني» في آن، وهي قمة شركات التكنولوجيا العاملة وربما المحتكرة لفضاء الاتصالات الكونية وتكنولوجيا المعلومات.

عقدت القمة في نيويورك لبحث دور الشركات المعنية في التصدي للفكر المتطرف والقيام بدور مؤثر وفاعل في التصدي للإرهاب، وأغلب الظن أن هذه القمة ليست الأولى من نوعها، ولكنها الأكثر أهمية في هذا المجال بعدما تزايدت الضغوط على شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وبلغت حداً غير مسبوق من جانب حكومات الدول الكبرى للقيام بدور أكبر.

وتقديم مزيد من التعاون، بعدما أصبح الإرهاب خطراً كبيراً يهدد العالم بأكمله من دون أن يستثني أحداً، وباتت شركات المعلومات متهماً رئيسياً بعدم اتخاذ ما يلزم للحد من الظاهرة الخطيرة، بعدما تحول الفضاء الكوني الخاضع لتقنيتها إلى أداة لترويج الفكر المتطرف إلى حد تسهيل العمليات الإرهابية من حيث التخطيط والإعداد والتنفيذ.

وبعدما تعالت أصوات قادة مؤثرين على غرار رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والرئيس الفرنسي ماكرون، لم يكن مستغرباً أن تقر شركة كبرى بحجم «فيسبوك» بأن شركات التكنولوجيا بإمكانها أن تبذل مزيداً من الجهد للقضاء على التطرف الإلكتروني، عقب اقتراح ماي وماكرون بفرض غرامات على الشركات التي تسير على وتيرة بطيئة فيما يخص إزالة المحتويات المتطرفة التي تنشرها الجماعات الإرهابية، ورأت "فيسبوك" أنها تقوم بتعيين الآلاف من مراجعي المحتوى والمضمون لحساباتها حول العالم.

فضلاً عن توظيف مجموعة عمل تتكون من 150 شخصاً يتم تخصيصهم لمجابهة الإرهاب على منصتها الخاصة، في محاولة لإزالة المزيد من المحتويات المتطرفة، وأوضحت مصادر أن الشركة ملتزمة بتكريس المزيد من التكنولوجيا لمعالجة الأمور المتعلقة بمواجهة الإرهاب.

وأكدت أنها بالفعل تعزز مساعيها عن طريق استخدام الذكاء الصناعي لمكافحة المحتويات المتطرفة، هذه التصريحات من جانب «فيسبوك» جاءت خلال اجتماع القمة التي ضمت قادة سياسيين وممثلين من شركات "فيسبوك وغوغل وميكروسوفت" على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

هذه القضية تحولت بالفعل إلى إشكالية كبرى للخلط الشديد والتداخل الكبير بين الأمور الأمنية الحساسة والضرورية لحماية الأمن الوطني للدول من جانب، والحريات الشخصية لمستخدمي هذا المجال من جانب آخر.

إلا أن الملاحظ في الآونة الأخيرة بروز تلك التهديدات الصريحة ضد شركات تكنولوجيا المعلومات، متمثلة في طلبات من قادة أجهزة مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وكندا، للحصول على مساعدة أكبر مواقع للتواصل الاجتماعي والشركات المعنية في الكشف عن التهديدات المحتملة.

وربما أقدمت حكومات أو دول من تلقاء نفسها وبشكل منفرد على اتخاذ خطوات من جانبها للتصدي لمثل هذه الظاهرة الخطيرة، سواء بالمنع أو الحجب لمواقع معينة أو حتى للوسيلة بأكملها لفترات زمنية معينة حماية لأمنها الوطني، إلا أن هذه الحكومات في كثير من الأحيان لم تسلم من الانتقادات الحادة من جانب منظمات وجمعيات حقوق الإنسان.

إلا أن دخول القوى الكبرى وبكل ثقلها على خط هذه القضية، سيجعل لها بالتأكيد نهجاً مختلفاً ومقاربات مؤسسية على الصعيد العالمي تساعد على التوصل إلى اتفاقات ومعاهدات ومواثيق دولية جديدة لحماية الأمن والسلم الدوليين على الصعيد الإلكتروني، وقد طرحت بالفعل قوانين دولية تحكم هذه العلاقة، على أن تخضع تلك القوانين لاعتبارات القانون الدولي بشأن الخصوصية وحق استخدام الشبكة العنكبوتية الدولية.

يؤكد المختصون على أن كل الأشخاص المشتركين في عمليات إرهابية بداية من المدبر والمنفذ والممول والمعاونين، كلهم يتقابلون عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ويتم توزيع المهام كلها على أفراد التنظيم عبر الانترنت..

 

 

 

Email