اللهم زد الإمارات بهجة وجمالاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كل يوم جمعة، وفي الخطبة الثانية التي تنتهي بالدعاء، يستوقفني دعاء الخطيب «اللهم زد الإمارات بهجة وجمالاً» الذي أشعر فيه بنسمات الفجر العليلة، وهواء الصباح النقي، وصوت الماء الرقراق، وهديل الأشجار، وترتسم أمام عيني لوحة جميلة أبدعها الخالق سبحانه من شروق الشمس وتنفس الصبح وتفتح الأزهار فينتشر أريجها، وغدوة الطيور وصوتها، وفرحة العشب حين تلامسه قطرات الماء وكأنه يهتز طرباً لها وفرحة بها، وبراءة الطفل وبسمة ثغره وملاحة وجهه الصبوح وصدق مشاعره وانطلاقها.

تغزوني كل تلك المشاعر دفعة واحدة، فتملأ نفسي بالحبور وقلبي بالسعادة وروحي بالتسامي، وكأنها طاقة نور اختلطت بالعظم واللحم، فيتلبس الإنسان ثوب العافية والهمة والفرح ونشوة السعادة، وهل هناك أجمل من أن يسعد الإنسان في بيت الله، وهل هناك أعظم من أن يكون الدعاء بنشر البهجة والجمال والبشر، ألم يقل الرسول الكريم «بشروا ولا تنفروا»، وأن من أعظم القربات إلى الله إدخال السعادة على الغير، ألم يدعونا إلى إفشاء السلام بيننا وأن نتبسم في وجوه بعضنا البعض، وأن الجمال والبهجة من نعم الله التي نسأله أن يديمها ويزيدها على وطننا.

«اللهم زد الإمارات بهجة وجمالاً» ذاك الدعاء الذي يستشعره القلب قبل أن ينطق به اللسان، ولا شك أن صدق الدعاء وتلمس معانيه وإدراكها وفهمها هي متعة للداعي، فضلاً عن الدعاء ذاته، فالخير من الله، وهو الودود الرؤوف الرحيم اللطيف البديع، وهي من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي تنزل في القلب البهجة والجمال والخير.

إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالدعاء، ومن فضله أنه لم يربط القبول بكلمات محددة ذلك ليترك لعباده الإبداع في الدعاء حسب الحاجة وحسب المقام، وهو الأمر الذي يولد في النفس صدق المشاعر وهو شرط القبول، والمدى رحب في أن تطلب من الله ما تشاء لأنك تتطلب من كريم له ملك السماوات والأرض، والشاهد ما يلي ذلك حين يجهر الخطيب بالدعاء «اللهم اجعل الصبر سبيلنا للإبداع وطلب العلم والمعالي وخدمة الوطن»، وموطن الجمال في الدعاء أنك تطلب من الله أن تكون من المبدعين والعاملين لعقولهم وفكرهم الذي ميزنا الله به وكرمنا عن غيرنا من باقي مخلوقاته، وأن يكون طلب العلم دأبنا، ولا شك أن مثل هذا الدعاء، الذي يطلب من الله تيسير الإبداع في صلاة جامعة، تشهدها الجموع شباب وشيبة رجالاً ونساءً وأطفالاً، يرسخ قيمة ويحفز همة يجعل من المساجد والصلوات الجامعة مرتكزات للدفع والارتقاء ومشاركاً أصيلاً في حركة حياتنا، حين تذلل ذلك وتكرسه لغاية كبرى، وهي خدمة الوطن، وأنعم بها من غاية.

ولأن ديننا دين رحمة للعالمين يأتي الدعاء «اللهم انشر الاستقرار والسلام في بلدان المسلمين والعالم أجمعين»، الذي نرى فيه ملامح تستوجب التوقف عندها الدعاء بالسلام، الذي يعني الأمن، وهو القيمة الكبرى الدافعة لكل أفعال الخير، وأساس لحركة مطمئنة لجموع الناس، ومن دونه لا يمكن أن يقام بنيان أو يعلو كيان لكنه لا يقتصر على مكان دون آخر، فالإسلام جاء رحمة للعالمين وهما «الإنس والجن».

والدعاء هو في القلب من شعائر التعبد إلى الله والتسامح أصل من أصوله، لذا كان حب الخير للعالم أجمع في موقع القلب من شريعة الإسلام، لذا فإن التلطف من آداب الدعاء التي أجدها حين يعلوا صوت الخطيب «اللهم إنك قد مننت علينا بوطن التسامح؛ فاجعل العفو شيمتنا، والتسامح خلقنا، والتراحم سلوكنا، والعطاء دأبنا»، إنها القيم التي يجب أن ترسخ لأنها من شيم الكرام القادرين على كبح جماح أنفسهم والارتقاء بالذات البشرية فوق كل الصغائر والدنايا.

إن جمال الدعاء وصدقه أن يعبر الداعي عما يختلج نفسه، والله برحمته يتقبله من المخلصين، وكلما كان الدعاء معبراً عن حالة عامة شاملة كان أعلى وأقرب إلى الاستجابة، باعتبار أن الداعي يتخلص من الحالة الخاصة والولوج إلى الشأن العام، لذا كان الدعاء «اللهم زدنا سعادة وطمأنينة وهناء؛ وأدم السعادة على وطننا وبيوتنا وعلى أهلينا وأرحامنا»، وما بين تلك الأدعية النورانية أطالع بين حين وآخر من حولي لأجد كلمة «آمين» تخرج من القلوب قبل الألسن عربها وعجمها، مواطناً ومقيماً وزائراً، فأذهب إلى حالة أخرى وهي عبقرية المكان وقدرة الوطن على الرحابة التي تضم كل من أقام على أرضه، فأدركت أن صدق التلبية جاء من صدق الحالة التي جعلت من الإمارات وطن التسامح والعطاء، ليردد الجميع اللهم زد الإمارات بهجة وجمالاً «آمين».

Email