الإرهاب المتوطّن في أوروبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

سلطت الحوادث الإرهابية الأخيرة في أوروبا ولاسيما في برشلونة الضوء على تغلغل المتطرفين والإرهابيين داخل المجتمعات الأوروبية بصورة تخيف المواطن العادي.

وتقلل من الأمان الذي تتمتع به تلك المجتمعات وسكانها. بجانب حادثي كامبرليس ولاس رامبلاس التي راح ضحيتها 15 شخصاً بمن فيهم طفل في السابعة من العمر، وقع حادث طعن بالسكين في فنلندا أسفر عن مقتل شخصين وإصابة ستة آخرين.

يضاف إلى ذلك حادث طعن في مدينة وبيرتال غرب ألمانيا أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخر. تمكنت قوات الأمن الإسبانية من قتل يونس أبو يعقوب البالغ من العمر 22 عاماً المتهم بقيادة السيارة التي استخدمت في حادث برشلونة الإرهابي، وكان يرتدي ما يبدو أنه حزام ناسف وهتف الله أكبر قبل أن تقتله الشرطة.

 

تشير تلك الأحداث إلى ظاهرة التطرف والإرهاب المميتة التي تجتاح أوروبا، وكيفية تغلغل المتطرفين والإرهابيين إلى البلدان الأوروبية سواء أكانوا في صورة «طالبي لجوء» مثلما حالة الطعن في فنلندا، أو أشخاصاً تجنسوا بجنسيات أوروبية مثل يونس أبويعقوب الذي جاء من المغرب وموسى أوكبير.

يمكن الإشارة إلى عدد من الملاحظات التي يجب التوقف عندها للاستفادة من تلك الهجمات المؤلمة والتي يدفع ثمنها الأبرياء من ناحية، ومحاولة تجنب تكرارها من ناحية ثانية.

أوضحت تلك الهجمات أن العقل المدبر للخلية المكونة من 12 شاباً هو إمام مسجد في بلجيكا يدعى عبد الباقي الساتي، والذي تطرف في السجن على يد إرهابيين متهمين بأحداث قطارات مدريد التي راح ضحيتها 191 قتيلاً. إن التطرف في السجون الأوروبية ليس جديداً.

وحدث قبل ذلك لبعض الإرهابيين في أحداث باريس وبلجيكا سابقاً الذين تطرفوا في السجون مثل صلاح عبد السلام الذي نفذ هجمات باريس. يجب وقف تجنيد الإرهابيين في السجون الأوروبية التي تشكل مصدراً أساسياً للتجنيد والكراهية وزرع عقيدة القتل والإرهاب.

يضاف إلى ذلك أن تلك الخلية الإرهابية مكونة من 12 شاباً، وهي تعكس مدى أهمية إدماج الشباب المسلم في المجتمعات الأوروبية، وهي مسؤولية مشتركة بين الحكومات الأوروبية والمجتمعات المسلمة. يجب التخلص من المناطق المنعزلة التي يعيش بها المسلمون في بعض البلدان الأوروبية مثل برمنغهام في بريطانيا ومولنبيك في بلجيكا ومناطق عشوائية في ضواحي باريس.

تنتشر في تلك المناطق المنظمات الإسلامية المتطرفة مثل «الشريعة من أجل بلجيكا». يضاف إلى المعادلة الفقر والبطالة في تلك المناطق. هناك حاجة لعمل جاد واستراتيجية واضحة لإدماج الشباب المسلم في المجتمعات الأوروبية.

أوضحت تلك الحوادث التكتيك البسيط والسهل والذي يصعب التنبؤ به من قبل الأجهزة الأمنية ويتمثل في الدهس بالسيارات والطعن بالسكين. حدث ذلك في هجمات جسر ويستمنستر وجسر لندن قبل ذلك. ويرجع استخدام هذا الأسلوب الجديد إلى أبو محمد العدناني المتحدث السابق باسم تنظيم داعش والمعروف لدى أجهزة الاستخبارات الغربية بأنه وزير الهجمات.

فقد نشر له مقطع صوتي عبر قناة الفرقان إحدى الأدوات الإعلامية لتنظيم داعش وقال فيه «إذا لم تنجح في إلقاء قنبلة أو فشلت في فتح النار على مشرك، يمكنك طعنه بسكين أو ضربة بالحجر أو دهسه بالسيارة».

وقد أطلق العدناني تلك الدعوة عام 2014 ومنذ ذلك الوقت تعددت تلك الأساليب في تنفيذ الهجمات الإرهابية في الدول الأوروبية. هناك صعوبة بالغة وفقاً للأجهزة الأمنية الأوروبية في التنبؤ بذلك، وإن كانت بريطانيا شيدت حواجز على الجسور، فمن الصعوبة بمكان بناء حواجز في كل مكان.

بالرغم من الصعوبة في مواجهة الطعن بالسكين والدهس بالسيارات، فقد أظهرت تلك الهجمات علامات استفهام حول مدى استعداد الأجهزة الأمنية لتتبع تلك الخلايا الإرهابية.

فقد اكتشفت السلطات الإسبانية أن تلك الخلية كان تجهز 120 أسطوانة غاز لاستخدامها في عمليات تهدف إلى مزيد من القتل والتخريب ولولا الانفجار الذي وقع في المنزل الذي كان يتم إعداد تلك الأسطوانات به، لكانت الطامة أكبر والضحايا أكثر والمصيبة أعظم. فأين كانت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية من عمليات التخطيط والإعداد التي بلغت ستة أشهر.

في النهاية أود القول إن ظاهرة التطرف والإرهاب في أوروبا هي إحدى المشكلات الكبرى التي تواجه المجتمعات الأوروبية خلال السنوات المقبلة، ومن دون المواجهة الحقيقية على كل الصعد للمتطرفين قبل أن يتحولوا لإرهابيين سيكون الثمن باهظاً على الاستقرار والأمن والعيش بصورة طبيعية في تلك المجتمعات التي يحلم الكثيرون بالهجرة إليها لما تتمتع به من أمان واستقرار وحرية.

عندما أسير في شوارع لندن الآن أنظر حولي في بعض الأوقات خشية أن تكون هناك سيارة خلفي قد تحاول دهسي. إن هاجس الخوف في بعض الأحيان قد يقلل من الجاذبية للعيش في تلك المجتمعات.

 

Email