الهجرة تقسّم بريطانيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن قضية الهجرة من دول الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا تشكل هاجساً لدى المجتمع والساسة داخل المملكة المتحدة. ويشكل عدد الأوروبيين المقيمين على الأراضي البريطانية نحو 3.3 ملايين نسمة وفقاً لإحصاءات حكومية ولا يزال المهاجرون يتدفقون.

ويضيف هؤلاء المهاجرون أعباء على قطاع الخدمات، ولا سيما الصحة والتعليم والمساعدات الاجتماعية إضافة إلى المساكن والمواصلات، فقد ارتفعت الإيجارات وارتفعت أسعار المنازل إلى درجة لا تمكن البريطاني من الصعود على سلم العقارات وتجعله يقبع في دائرة الإيجار إلى الأمد المنظور.

وتضطر بعض العائلات إلى إرسال أطفالها إلى مدارس بعيدة لعدم توفر أماكن في بعض المدارس، وتزداد الضغوط على قطاع الصحة والمساعدات الاجتماعية.

يرى قسم غير قليل من البريطانيين أن المهاجرين من أوروبا يسهمون في تلك المشكلات ولذلك صوت نحو 52% ممن ذهبوا في استفتاء الخروج من الاتحاد في يونيو العام الماضي للخروج.

يضاف إلى ذلك بعض قادة حزب المحافظين ومنهم بوريس جونسون وزير الخارجية ودافيد ديفيس الوزير المسؤول عن ملف الخروج، ومايكل جوف وزير العدل، الذين يدعون إلى الخروج الكامل من السوق الموحدة ووقف تدفق حرية حركة الأفراد من دول الاتحاد إلى بريطانيا.

على الجانب الآخر هناك فريق آخر من المواطنين البريطانيين لا يرى هناك ربطاً بين المهاجرين الأوروبيين والمشكلات التي تواجهها بريطانيا في قطاعات الخدمات المختلفة، ويرجع هذا الفريق السبب إلى عدم استثمار الحكومة في تلك القطاعات، ولكن الطامة الأكبر هي الانقسام بين أعضاء مجلس الوزراء البريطاني حول قضية الهجرة.

فقد صرح مؤخراً وزير الخزانة فيليب هاموند بأن هناك مرحلة انتقالية قد تستمر لثلاث سنوات بعد خروج بريطانيا عام 2019 تستمر فيها حرية تنقل الأفراد من دول الاتحاد إلى بريطانيا.

وأكدت هذا الكلام وزيرة الداخلية أمبر رود حول وجود فترة انتقالية تستمر حتي 2022 حيث لا تتغير الأمور بالنسبة لتنقل المهاجرين الأوروبيين إلى بريطانيا. في هذا السياق علق الوزير المسؤول عن الخروج من الاتحاد بالقول إنه إذا كان هناك اتفاق بخصوص تلك المرحلة الانتقالية فهو لم يشارك بها.

تسلط تلك التصريحات المتناقضة للساسة على الأزمة العميقة التي تشق الحكومة البريطانية. ويزيد من تلك الأزمة تصريحات بعض المسؤولين في وزارة الصحة بأن وقف حرية حركة الأوروبيين إلى بريطانيا قد يؤثر علي قطاع الصحة الذي يعتمد بصورة ما على أطباء وممرضات من دول الاتحاد.

ولكن وجهة النظر المناقضة تقول إنه يمكن إعطاء عقود عمل لهؤلاء الأوروبيين ويمكن جلب أصحاب المهارات المطلوبة من خلال نظام النقاط الذي يطبق في بعض البلدان مثل كندا وأستراليا لشغل بعض الوظائف المطلوبة في تلك البلدان.

أعتقد أن نتيجة استفتاء يونيو عام 2016 تحتم على الحكومة البريطانية ضرورة عدم اقتراح فترة انتقالية بعد الخروج عام 2019 لأن في ذلك خيانة لأصوات الناخبين حيث كانت قضية المهاجرين مسألة محورية في هذا الخصوص.

يضاف إلى ذلك أن هناك قدرة للحكومة البريطانية أن تسرع من الطريقة التي يمكن من خلالها الإعلان واختيار أشخاص لشغل الوظائف المطلوبة من دول مختلفة. من ناحية ثالثة يمكن حل أوضاع الأوروبيين الموجودين في بريطانيا الآن في مقابل بقاء البريطانيين في دول الاتحاد ويبلغ عددهم نحو مليون شخص.

يمكن التفاوض على تحقيق مصالح الطرفين من خلال ربط الموضوعين معاً. في النهاية أود القول إنه لا توجد دراسة قاطعة حول مدى المساهمة الفعلية لهؤلاء المهاجرين الأوروبيين في الاقتصاد البريطاني بالنظر إلى الضرائب التي يدفعونها والمساعدات الاجتماعية التي يتلقونها.

يسعى فريق الإصرار علي وقف الهجرة الأوروبية إلى التركيز فقط علي الأعباء التي يضعها هؤلاء المهاجرين على الخدمات المختلفة، أما الفريق الآخر فيسلط الضوء على الضرائب التي يدفعها والوظائف التي يقوم بها هؤلاء المهاجرون.

وبهذا فإن الصورة غير كاملة وفريق التفاوض البريطاني في مأزق وانقسام. وهناك خشية من استمرار حالة الترقب وعدم التيقن بخصوص تلك المفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لتحقيق الخروج الذي يضمن مصالح الجميع.

 

 

Email