صانع السم القطري

ت + ت - الحجم الطبيعي

قرار السعودية والإمارات والبحرين ومصر، بقطع العلاقات مع النظام القطري لم يأتِ من فراغ، إذ جاء لكون النظام لم يفِ بوعوده بخصوص وقف دعم وتمويل الإرهاب، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول المقاطعة، كما أنه لم يلتزم بتعهداته الخاصة بالمطالبات المتكررة، والالتزام بالتعهدات الموقعة في 2013 و2014، ولذا، جاء قرار المقاطعة لتصحيح الوضع الراهن، وتجفيف منابع تمويل الإرهاب والتطرف.

هذا النظام أسس وجمع أكثر من أربعين منظمة في مختلف البلدان والمسميات واللغات، وجعلها محطة لكل هارب ومخالف للقانون، كما جمعوا مرتزقة الدين والفكر، وغرر بالشباب تحت عنوان فكر التغيير، وبدأ يقطر على وطننا العربي بقطرات السم.

فيينا ولندن وصربيا، وغيرها من أماكن التجمع والتجهيز والتدريب، بأموال كان الأولى بها تطوير قطر، بدلاً من تكريس فكر التطرف والإرهاب، وملايين دُفعت ليحل الدمار والأذى وسفك دماء البشر، يضاف إلى ذلك توظيف النظام للآليات الحقوقية في معاركه غير النظيفة، من خلال نسج علاقة مبهمة مع صناع المحتوى الحقوقي.

هذا النظام الذي يعد من أكثر الدول التي انتهكت حقوق الإنسان داخل وخارج أراضيها، ودعمت ورعت تنظيمات إرهابية خربت مجتمعاتها، وأثرت في الانتقال الديمقراطي والسياسي لكثير من الدول، وهذه الدولة المتشدقة برعاية ما يسمى الربيع العربي، من خلال إيهام الشباب بالتمكين والحريات، لا تعمل وفق نظام يحترم حقوق الإنسان، حتى إنها لم تنضم بعد إلى المواثيق والمعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان، وفي مقدمها العهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية.

لقد أتقن النظام، ومنذ سنوات، لعبة توظيف القوى الناعمة في التمدد السياسي على حساب شعوب المنطقة واستقرارها وأنظمتها الشرعية الحاكمة، وعلى مدار الأسابيع الماضية، كشف الكثيرون بعضاً من جوانب اللعبة، خاصة ما يتعلق باستثمار النظام في الإعلام الموجه سواء بتمويله، وصناعة محتواه بشكل كامل، أو تمويله جزئياً، وامتلاك أسهم بهدف التأثير في المحتوى الإعلامي، بما يخدم أجندة محددة يتبناها هذا النظام.

لم يتورع النظام، أيضاً، عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهذا التدخل يعتبر عملاً غير مشروع ومخالف لكافة القوانين الدولية، ولا يستند إلى أي مسوغ قانوني، ويشكل اختراقاً واضحاً لحقوق الدول الأخرى في الحرية والاستقلال، والغرض وراءه رغبة دولة ذات أطماع في إملاء سياسة معينة على دولة أو دول أخرى، أو بغرض زعزعة أمن واستقرار الدولة التي يتم التدخل فيها لإضعافها، والتحكم في سياستها، سواء الداخلية أو الخارجية، بل وإسقاطها وإقامة دولة من المليشيات المسلحة الموالية للدولة المحرضة، والممولة للجماعات الإرهابية.

استخدم النظام إلى جانب ذلك، جميع أنواع الدعاية التي تثير الفتن، وتشكل خطراً على السلم، حيث إن الكثير من الدول العربية ومؤسساتها، تضررت بصورة مباشرة منذ عام 1996، بسبب قناة الفتنة والأساليب الإعلامية الزائفة.

إن ما قدمه هذا النظام على مدى السنوات الماضية من دعم للتنظيمات الإرهابية، يتناقض جذرياً مع قرار مجلس الأمن رقم (1373)، الذي تبنى خطاباً متشدداً إزاء المنظمات والدول التي تدعم الإرهاب، وهو القرار الذي تضمن حظراً صريحاً يجبر الدول على عدم تقديم أي نوع من الدعم الصريح أو الضمني إلى الأشخاص أو المنظمات الضالعين في ارتكاب الجرائم الإرهابية، أو تقديم ملاذات آمنة لمن يرتكبون أو يمولون أو يدعمون العمليات الإرهابية.

كما يتعارض هذا السلوك الداعم للتنظيمات الإرهابية، مع الاتفاقية الدولية لمنع تمويل الإرهاب التي اعتمدتها الأمم المتحدة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرارها رقم/‏ 10954، المؤرخ في التاسع من (ديسمبر) 1999، وهي الاتفاقية التي تجرم كل أشكال تمويل الإرهاب، وتدعو الدول لتغيير إجراءاتها التشريعية بما يتناسب مع أحكامها، إضافة إلى تعارضه مع قرارات صادرة عن مجلس حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، أشهرها القرار الصادر في الدورة العادية رقم 28 للمجلس، تحت عنوان (أثر الإرهاب في التمتع بحقوق الإنسان)، وهو القرار الذي يحض صراحة جميع الدول على رفض أشكال الدعم كافة التي تقدم للإرهابيين، ورفض توفير ملاذ آمن لهم، أو لمن يحرضون على ارتكاب جرائم إرهابية.

في الختام، ينبغي علينا إحياء الآليات الحقوقية العربية، المتمثلة في الميثاق العربي لحقوق الإنسان، ولجنة حقوق الإنسان العربية، المعنية بمتابعة مدى التزام الدول بالميثاق.

كما يجب علينا أن نستخدم الأدوات والآليات كافة، التي تتيحها المنظومة الأممية والإقليمية لحماية حقوق الإنسان، تلك المنظومة التي يبقى هدفها النهائي هو الدفاع عن القيم الإنسانية الشاملة، التي دفع العالم ثمناً كبيراً من أجل التوصل إليها، وليس من المقبول أن يسمح لنظام مراهق سياسياً أن يستخدم فوائضه المالية الضخمة في دهسها وانتهاكها كل يوم، وتلبيس توجهاته السياسية رداء حقوقياً زائفاً.

المحزن في كل ما سلف، غياب المنظمات الحقوقية العربية والدولية المستقلة، فأين هي من القيام بدورها في رصد وتوثيق جرائم هذا النظام، التي تتعارض بشكل واضح مع حزمة من الاتفاقات الدولية ذات الصلة بالشأن الحقوقي، والعمل على طرحها في صورة إفادات وتقارير أمام الآليات والمنتديات الأممية الحقوقية، وإبراز تناقض التصرفات مع الاتفاقيات الحقوقية المشار إليها.

في نهاية المطاف، لم يكن النظام صانع السم حذراً أبداً، وبدأ السم اليوم بالانتشار في جسده.

Email