ليبيا وإخفاق تيريزا ماي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان منفذ هجوم مانشستر سلمان العبيدي مولوداً في بريطانيا، وهو من أصل ليبي هويته متطرف موال لـ«داعش». تلك هي الوقائع التي ينبغي أن تكون نقطة الانطلاق لردنا على الفظائع التي ارتكبها: التهديد هو عالمي، فيما دولتنا وطنية ومجتمعنا محلي. ولسنا أقوياء بما فيه الكفاية لمنعه.

نظرية «العواقب غير المقصودة» التي تلقي باللائمة على حروب التدخل الغربية، هي غير ذي صلة في هذه الحالة. ومن ثم، بغض النظر عما كانت تقوم به أجهزة المخابرات، كان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون على حق في التحرك عسكرياً لوقف الرئيس الليبي السابق معمر القذافي من ارتكاب الفظائع بحق شعبه خلال الانتفاضة الليبية عام 2011؛ وهذا التحرك أقرته الأمم المتحدة، بشكل ملائم، ولم يكن هناك من مجال ليتصاعد ويتحول إلى احتلال.

وكان لكاميرون والرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي خطة لإضفاء الاستقرار على البلاد، أما المشكلة فكانت في غياب الخطة عما يفترض القيام به في حال أخطأت خطتهما الأصلية. ولم يهتم على ما يبدو وزراء كاميرون في الكيفية التي يمكن لدولة فاشلة مثل ليبيا أن تؤثر على نمو التطرف في العالم، وعلى التهديد الإرهابي المحلي في المملكة المتحدة.

وقد حضرت تيريزا ماي بصفتها وزيرة للداخلية 55 اجتماعاً لمجلس الأمن الوطني حول لبيبا بين مارس ونوفمبر 2011. ولا يذكر تقرير مستشاري الأمن القومي أي مساهمة لوزارة الداخلية في قرارات تلك الهيئة، أو أي ذكر لتأثيرات ذلك على الإرهاب المحلي.

وأفيد الآن أن جهاز «ام 15» كان يعمل على تسهيل سفر ليبيين بريطانيين غير متطرفين للقتال في طرابلس. أما الوزير المسؤول عن هذا القرار، فمن المفترض أنه تيريزا ماي.

فهل سألت ماي عن تأثير القتال الليبي على التهديدات الإرهابية هنا؟ في يوليو 2011، مع احتدام القتال، حذرت ماي من أن تنظيم القاعدة كان يستولي على الأسلحة في ليبيا. لكنها استنتجت بأن «تنظيم القاعدة يفشل» بسبب الربيع العربي.

وكان الربيع العربي هو الذي يفشل، وصعود داعش إحدى نتائجه. في يناير هذا العام أطاحت ماي بأي استراتيجية مستقبلية بشأن تغيير النظام والتدخل الخارجي، وانتقدت ضمنياً استراتيجية كاميرون في ليبيا، ورفضت في كلمة ألقتها في فيلادلفيا «سياسات الماضي الفاشلة».

لكن من واجب الحكومة أن تفعل أكثر من مجرد الشجب. ينبغي عليها التعامل مع الفوضى التي نشأت. وللقيام بذلك، كان عليها أن تطرح سؤالا لم تتعب نفسها في طرحه أبداً: هل تعد التخفيضات في ميزانيات الشرطة والدفاع أمراً مستداماً في سياق التهديدات الإرهابية المتزايدة؟

أما رد ماي على قاعة مليئة بممثلين عن اتحاد الشرطة، سنة تلو الأخرى، فكان في رفض فرضية السؤال. ومع وصول التهديد الإرهابي إلى نقطة حرجة اضطرت إلى نشر قوات لحراسة المنشآت الرئيسية.

بغض النظر عن المقدار الذي رفعت فيها ميزانيات كل من «مكتب الاتصالات الحكومية البريطاني» و «أم 5»، في هجوم كهذا، فإن قدرة الشرطة على الصمود وجهاز الإطفاء ودوائر الحوادث والطوارئ يجري امتحانها. نشر القوات هو اعتراف ضمني بأن تلك المرونة والقدرة على الصمود تتعرض للضغوط. و

عكس الاقتطاعات في ميزانية الشرطة الآن، كما وعد حزب العمال ينبغي أن يكون إلزاميا. إذا كان هناك من شيء، فإن موجة الهجمات الأخيرة، الفاشلة التي حققت هدفها، تظهر الحاجة إلى إعادة تفكير أكثر استراتيجية.

بريطانيا بحاجة إلى معادل بريطاني للقوات شبه العسكرية بدوام كامل في فرنسا التي تم نشرها للتعامل مع هجوم باتكلان. مثل تلك القوة تحتاج إلى إطار قانوني جديد واستثمار كثيف في الموارد الإضافية.

لكن الأهم هو أن بريطانيا كلها بحاجة أن تكون في تعاون نشط مع الأجهزة الأمنية في أنحاء أوروبا، حيث تفيد التقارير أن التفجيرات المستخدمة من قبل العبيدي، وتصميم القنبلة والشبكات المستخدمة، تعود إلى أفارقة شماليين متطرفين يعيشون في المدن الأوروبية.

مع بنائهم استراتيجية البريكست، قال موظفون كبار في الخدمة المدنية للصحافيين إن ماي كانت على استعداد لتهديد الاتحاد الأوروبي بسحب التعاون الأمني والاستخباراتي. وقد أدرجت ماي التهديد بجلاء في رسالتها حول المادة 50، زاعمة لاحقاً أنه لم يكن تهديداً. وكم يبدو هذا الأمر أحمقا وفارغ المضمون الآن.

ومع اقتراب انهيار داعش في الرقة والموصل، وانتشار الناجين منهم في مسارات أوروبا التي يسلكها اللاجئون، لا يهم كم تبلغ تكلفة 10 آلاف شرطي جديد، بل ينبغي توجيه السؤال الصحيح وهو: متى يمكن أن يباشروا عملهم؟

 

Email